متى سيتوقف الرعب النفسي الذي يصيب بيوت الأردنيين؟!
محمود الدباس - أبو الليث
12-06-2025 07:42 PM
لقد مَنّ الله علينا بوطن اسمه الأردن.. وطنٌ ما زال رغم ضيق ذات اليد.. ومحدودية الموارد.. آمناً مستقراً.. تطلبه الأرواح الباحثة عن السَكينة.. وتلوذ به القلوب الهاربة من دويّ المدافع.. ومشهد الدم.. ولكن.. وفي قلب هذا الوطن الهادئ.. هناك نار صامتة.. تشتعل في كل بيت.. اسمها التوجيهي..!
نعم.. امتحان الثانوية العامة.. الذي أصبح أقرب إلى العقاب الجماعي.. منه إلى محطة علمية.. كابوس لا يُطرق بابه فقط على الطالب.. بل يدخل دون استئذان إلى أعصاب الأهل.. وإلى جدران العمارة.. وحدود الجيران.. وحتى أسلاك الكهرباء التي تحيط بالبيت.. حالة طوارئ غير معلنة.. تستنفر العائلة.. والجيران.. والأصدقاء.. وحتى القطة التي تموء في زاوية الدرج.. قد تُتهم بإرباك الطالب.. وتشتيت انتباهه.. وقد تُمنع من المواء حتى إشعارٍ آخر..
هذا التوجيهي.. صار أشبه بسلاح دمارٍ نفسيٍ شامل.. ليس في نتائجه فقط.. بل في ثقافته.. في هالته المفزعة.. في الطريقة التي تصوره بها الدولة والمجتمع.. كأنه يوم القيامة الذي لا نجاة فيه.. إلا لصاحب العلامة الكاملة.. فكيف نطلب من طالبٍ أن يستقر ذهنياً.. وهو يرى أهله يتهامسون حوله.. وكأنهم حوله في غرفة العناية المركزة؟!.. وكيف نرجو أن يبدع.. وهو مهووس بالخوف من الفشل.. لا حب المعرفة؟!..
وما يزيد الطين بِلّة.. أن هذا الطالب المرهَق نفسياً.. يُفاجأ في كل سنة بمنهاج جديد.. أو مادة أُضيفت على عَجَل.. دون تأسيسٍ حقيقي لها.. ولا تمهيدٍ سابقٍ في المراحل الدراسية الأولى.. فها هو يُلقى به في بحر رياضيات الأعمال.. دون أن يُعلَّم كيف يسبح في جدول ضربها أصلاً.. وكأننا نحاسبه على جريمة.. لم تُهيَّأ لها ظروف العدالة التربوية..
فأي عدالة هذه التي تُقاس بعلامة؟!.. وأي تطوير هذا الذي يبني جدراناً تعليمية فوق رمالٍ متحركة؟!.. ثم يلوم الطالب إن لم يصمد البناء؟!..
يا وزارة التربية.. هل أنتم واعون لحجم الفوضى النفسية.. التي تُزرع في بيوتنا كل سنة بسبب التوجيهي؟!.. هل سألتم أنفسكم يوماً.. لماذا يمرض الطلاب والأهالي نفسياً.. قبل أن يمرضوا جسدياً؟!.. لماذا يتحول بيت الطالب إلى قاعة عزاءٍ مؤقتة؟!.. ولماذا تنهار علاقات الجيران.. بسبب صوت ضحكة.. أو طبق سقط من يد عجوز؟!..
إن كنتم تؤمنون فعلاً.. أن أبناءنا هم أبناؤكم.. كما تكررون في تصريحاتكم.. فأعيدوا التفكير.. لا فقط في شكل الامتحان.. بل في فلسفة التعليم ذاتها.. لا تجعلوا التوجيهي محطة تهديد.. بل فرصة لإثبات الذات.. لا تزرعوا الرعب في القلوب.. ثم تستغربوا من تدني الإنتاجية.. والابتكار.. والراحة النفسية في بلدنا..
علموا أبناءنا.. ولا ترعبوهم.. أسسوهم منذ الصغر.. ولا تفاجئوهم في آخر الطريق.. بما لم يعرفوه من قبل.. وكونوا رحماء بهم.. لا مجربين لنظريات لا تحتمل التجريب..
فكرامة الطالب.. لا تقاس بعلامة.. ومستقبل الوطن.. لا يُبنى على ركام أعصاب محطمة..