الأردن ليس بخير .. إذا غفَت العيون .. ولبس الخائن ثوب المواطن
محمود الدباس - أبو الليث
14-06-2025 02:51 PM
في لحظة لا ينتبه لها الكثيرون.. لا يكون سقوط الدول من الخارج.. بقدر ما يكون من داخلها.. لا من الجيوش الغازية.. بقدر ما يكون من العيون التي لا تنام.. وهي ترصد مكامن الضعف.. ولا من الطائرات والصواريخ.. بقدر ما يكون من الشائعات.. والتشكيك.. والفُرقة بين أفراد الوطن الواحد.
ما كشفته المعارك الأخيرة.. سواء مع حزب الله.. أو مع إيران.. أن العدو لا يطلق رصاصةً.. قبل أن يزرع عميلاً.. ولا يُعلن حرباً.. قبل أن يعلن خيانته أحد أبناء الأرض ذاتها.. والأخطر.. أن قائد وحدة مكافحة الموساد في إيران.. كان نفسه خنجراً مسموماً بيد الموساد ذاته.. فكيف نتصور المعركة.. حين يصبح حاميها.. هو حراميها؟!.
نحن في الأردن.. لسنا في منأى عن هذه المعركة الرمادية.. التي لا تُخاض بالسلاح وحده.. بل بالعقول.. والألسن.. والمواقف.. والصفوف التي يجب أن تبقى مرصوصة.. فما يخطط له العدو.. ليس نزهة عسكرية.. بل عملية ممنهجة.. تستهدف عقل المجتمع.. وتفتيت ثقته بنفسه.. وبوطنه.. وبمن يقوده.
ولذلك.. لا بد أن ننتبه.. أن نكف قليلاً عن النقد العبثي.. ونشر الشائعات.. والضرب في الخاصرة.. والمبالغة في تضخيم الأخطاء.. فالأردن ليس دولة ملائكية.. ولا مَن يحكمونه معصومين.. لكنه وطننا جميعاً.. بيتنا الذي إن تصدّع -لا قدر الله- لن يُبقي لأحدٍ سقفاً يحميه.. فلا فرق عند العدو.. بين معارضٍ وموالٍ.. ولا بين ليبرالي وإسلامي.. ولا بين ساخط وهادئ.. فكلهم مستهدفون.. وكلهم وقود لمخطط لا يرحم أحداً.
علينا أن نُحصّن جبهتنا الداخلية.. لا بتكميم الأفواه.. بل بترشيدها.. ولا بإلغاء النقد.. بل بتوجيهه لما ينفع.. لا لما يهدم.. فثمة فرق شاسع.. بين الصراخ الذي يبدد الطاقات.. والكلمة الصادقة التي تحمي الجدران من التصدع.. وبين المعارض الذي يخالفك ليحميك.. وآخر يخالفك ليبيعك.
مَن يُشعل فتنةً في وقت الخطر.. ولو بنية غير مقصودة.. كمن يُشعل ناراً في بيت نائم.. ثم يبرر فعلته.. بأنه لا يحب ستائر المنزل.
العدو لا ينتظر أن ننقسم.. بل يراهن على ذلك.. لأن أكثر ما يُغريه للهجوم.. ليس ضعف جيشك.. بل ضعف تماسكك.. وحين يتشظى صوت الناس.. وتتعدد راياتهم.. ويعلو فيها المتفيقهون.. والخونة.. والمندسون.. والمشككون.. ومثيروا الاشاعات.. يصبح الوطن صيداً سهلاً.
يا أبناء الأردن.. لنؤجل خلافاتنا.. لا لننساها.. بل لنُرجئها حتى تمر العاصفة.. فلنوقف الشكوى قليلاً.. ولنترك النقد جانباً.. ولنتوحد خلف بوابة الوطن.. لأنه إن سقط الباب -لا سمح الله- لن يسأل أحد عن مفاتيح الإصلاح.. أو التغيير.
أبناء وطننا الغالي.. كونوا صفاً واحداً.. لا لأنه لا خلاف بينكم.. بل لأنكم تدركون.. أن ما يجمعكم.. أعظم بكثير مما يفرّقكم.. وليكن كلٌّ منكم عيناً لا تغفو.. وسنداً لا يتخاذل.. فالعين التي لا ترى إلا عيوب بيتها.. ستبكي إن سقط.. ولم ولن تجد مأوى غيره.
هذا نداء حبٍ لوطنٍ لا نملك غيره.. فإن لم نحمه نحن.. فلن يحميه أحد سوانا.