تصريح الاتحاد الأوروبي .. هل هو رسالة مبطنة؟!
محمود الدباس - أبو الليث
18-06-2025 12:49 PM
في ضوء تصاعد التصريحات.. وتبدّل النبرة الأمريكية تجاه إيران.. بدا المشهد.. وكأن صفحة جديدة تُكتب تحت الطاولة.. لا فوقها.. فالموافقة المطلقة على دعم الكيان الإسرائيلي.. تحوّلت إلى دعم مشروط.. ثم إلى حديث عن إمكانية التدخل.. ثم ما لبث أن صار الإعلان الأمريكي أكثر جرأة.. بوصف المشروع النووي الإيراني.. بأنه يجب أن يُمحى كلياً.. مع تحذيرات مباشرة.. بضرورة استسلام طهران دون شروط.. أما ترمب فلم يترك مساحة للتأويل.. حين قال بوضوح "نحن نسيطر على سماء إيران".. لا الكيان.. بل "نحن"..
هذا الربط المباشر بين واشنطن وتل أبيب في القرار والتنفيذ.. لم يكن عفوياً.. بل كان تتويجاً لفكرة قديمة تسكن العقل الأمريكي.. أن لا يُترك أمر الحسم العسكري في قضايا كبرى للآخرين.. حتى وإن كان الآخر حليفاً..
وفي الزاوية الأوروبية.. حيث تقف دول القارة العجوز.. تراقب المشهد من خلف الجدران الزجاجية.. جاءت التصريحات.. التي تبدو في ظاهرها إنسانية.. بينما في باطنها.. ربما تكون أكثر قسوة من القنابل ذاتها.. فحين يخرج الاتحاد الأوروبي.. ليقول إنه مستعد للمساعدة في تنظيف آثار أي تسرب إشعاعي.. أو بيولوجي في إيران.. لا يمكن أن تُفهم العبارة.. إلا ضمن أحد احتمالين..
إما أن أوروبا.. باتت تُقر ضمناً بوقوع الضربة قادمة لا محالة.. أو أنها تمهّد الرأي العام العالمي.. لتقبّل الحدث على أنه عرض جانبي مؤسف.. لكن يمكن التعامل معه لاحقاً.. وكأنها تقول.. دعوهم يُسكتون الصوت النووي الإيراني.. ونحن سنتكفل بتغطية الجروح بعد الضرب.. برباطات إنسانية وأقنعة بيولوجية.. أي.. إكسر.. واحنا بِنجَبّر..
الخطر هنا.. ليس فقط في فحوى التصريح.. بل في توقيته.. إذ يتزامن مع تصعيد غير مسبوق من الكيان الإسرائيلي.. في استهدافه لمواقع إيرانية حساسة.. وتهديدات متواصلة من كبار المسؤولين الأمريكيين.. كل ذلك.. بينما تُغلق السماء.. وتُفتح الأرض على احتمالات لا يمكن التنبؤ بحدودها..
هل يُعقل أن يكون الغرب بكامله قد قرر.. أن لا عودة لملف إيران النووي إلى طاولة المفاوضات.. بل إلى تحت الأنقاض؟!.. وهل باتت الإنسانية تُستدعى قبل الجريمة.. لا بعدها؟!.. وهل أصبحت الضربات الاستباقية.. تحظى بمباركة الرحمة الأوروبية؟!..
قد لا تكون الضربة معلنة حتى اللحظة.. لكن حين يُجهّز سرير العناية المركزة قبل إدخال المريض.. فالنية واضحة.. وحين تُطرح فكرة المساعدة في تطهير الأرض من الإشعاع.. فهذا يعني.. أن القنبلة في الطريق..
إننا أمام مرحلة جديدة من هندسة المشهد السياسي في الشرق الأوسط.. حيث تُعاد صياغة التوازنات بيد مَن يملك السماء.. ويمنح الأرض لمن يشاء.. أما التصريحات الوديعة.. فهي ليست سوى أشرطة حرير.. تُلف حول مقبض المطرقة..
وفي ظل كل هذا.. تبقى الشعوب وحدها.. هي مَن تدفع الثمن.. تدفعه من حاضرها ومستقبلها.. من أمنها وحقها في أن تعيش.. دون أن يُعاد تشكيلها وفق خرائط الغضب والدم الغربي..
فمتى كانت المساعدة الأوروبية تأتي قبل الكارثة؟!.. ولماذا تأتي هذه المرة.. على هيئة استعداد.. لا تحذير؟!..