facebook
twitter
Youtube
Ammon on Apple Store
Ammon on Play Store
مواعيد الطيران
مواعيد الصلاة
rss
  • اخر التحديثات
  • الأكثر مشاهدة




صوت الحق في زمن الصمت: الملك عبدالله يحاكم العالم من قلب أوروبا


أ. د. هاني الضمور
18-06-2025 02:39 PM

في زمنٍ تتلاشى فيه الأصوات وتُبتلع فيه الكلمات داخل أروقة المصالح، ارتفع صوتٌ واحدٌ في قلب أوروبا، لم يرتجف، لم يوارب، ولم يخضع لمعادلات القوة. وقف جلالة الملك عبدالله الثاني أمام البرلمان الأوروبي لا كزعيم يبحث عن تصفيق، بل كضمير أمةٍ ينطق باسم الحق، كصوتٍ عربيٍ أصيل في زمنٍ غاب فيه الصدى وتكاثف فيه الصمت.

قالها بوضوح: “لا يمكن أن يبقى الشعب الفلسطيني تحت الاحتلال، بلا أمل، بلا دولة، بلا كرامة.” لم تكن خطبة سياسية مألوفة، بل محاكمة أخلاقية للضمير العالمي، الذي وقف عاجزًا، وربما متواطئًا، أمام ما يجري في غزة من إبادة منهجية، وخرق صارخ لكل قيمة إنسانية.

غزة، التي تحترق منذ شهور تحت القصف الإسرائيلي، لم تعد فقط ساحة للصراع، بل تحوّلت إلى نقطة ارتكاز تاريخية ستُحدّد من فيها اختار أن يكون إنسانًا، ومن ارتضى أن يكون تابعًا، متفرجًا، صامتًا أو شريكًا في الجريمة. الدم الفلسطيني لم يعد مجرد دم، بل مرآة تكشف حقيقة المواقف، وتسقط أقنعة التوازنات الزائفة.

وفي هذا المشهد الذي كُتب بلون الرماد، كان خطاب جلالة الملك أشبه بشُعلة تقطع الظلمة. لم يتحدث عن فلسطين بوصفها عنوانًا للتضامن، بل كقضية وجود، كمعيار للعدالة، كاختبار حاسم لصدقية القيم الأوروبية والإنسانية على حد سواء. سألهم بجرأة: كيف تطلبون منا أن نثق بالنظام الدولي، وأن نلتزم بالقانون، وأن نؤمن بالسلام، وأنتم تُبرّرون قتل الأطفال وتشريد الأمهات ومحاصرة الملايين بلا ماء ولا دواء؟

لم يكن الملك يخاطب البرلمانيين فقط، بل كان يخاطب التاريخ. يكتب باسم شعب يُعاني، ويُذكّر أمة عربية بدت وكأنها فقدت بوصلتها. كان يملأ الفراغ الذي خلّفه التخاذل الرسمي العربي، حيث اكتفى كثيرون بالتلويح بالحياد، أو بحسابات الربح والخسارة، أو بصياغات دبلوماسية لا تُسمن ولا تُغني عن دم.

ولم يكن الملك عبدالله في موقع الصدام مع الغرب، بل في موقع العتاب النبيل والمساءلة الأخلاقية. لم يُعاند، بل واجه. لم يُجامِل، بل نطق بما لا يقال عادة في المنابر الرسمية. وهنا تكمن أهمية ما فعل: لقد قال ما يجب أن يُقال، في المكان الذي يجب أن يُقال فيه، في الزمن الذي خرس فيه الجميع.

في المقابل، تتهاوى المواقف العربية كأوراق صفراء في ريح المصالح. أنظمة تراوغ بين واشنطن وطهران، وتسعى لإرضاء هذا دون إغضاب ذاك. أنظمة تعتقد أن الاعتدال هو الحياد، وأن النجاة السياسية تعني الصمت، وأن الكلمات الجريئة هي مغامرة لا ضرورة لها. لكنها لا تدرك أن الأمم لا تُقاس بحجم صادراتها، بل بثباتها في لحظات الحقيقة. والآن، الحقيقة تُكتب في غزة، والموقف يُرسم إما بالدم أو بالصمت.

وحده خطاب الملك عبدالله الثاني أعاد للعرب بعضًا من وزنهم السياسي في لحظة فقدوا فيها الكثير. لقد أعاد تعريف الموقف العربي في ظل الفوضى، فأثبت أن العرب لا يزالون قادرين على الصدع بالحق إن أرادوا، على لجم القتل لا بالتنديد فقط، بل بتذكير العالم أن الإنسان لا يُقاس بجنسيته، وأن الطفل لا يُعرف من اسمه بل من دمه، وأن الحياة لا تتجزأ.

لم يكن الخطاب نهايةً، بل بداية يُفترض أن تُبنى عليها المواقف والسياسات والتحالفات. لا يجوز أن يُترك هذا الصوت العربي الأصيل وحيدًا في مواجهة عاصفة من النفاق السياسي الغربي، ولا أن يُهمَّش في دوائر القرار العربي. بل يجب أن يكون بوصلتنا، ليس فقط تجاه فلسطين، بل تجاه كل ما فقدناه من كرامة ووضوح وصدق.

اليوم، يجب أن يكون موقف جلالة الملك عبدالله الثاني حجر الزاوية في إعادة تعريف دور العرب في العالم. نحن لا نطلب الحرب، بل نطلب الكرامة. لا نناور لنكسب، بل نُعلن لنبقى. وإذا كانت غزة تُباد أمام شاشاتنا، فنحن أيضًا نُمحى أخلاقيًا حين نسكت، ونفقد وزننا الحضاري حين نتهرب من الموقف.

فمن لا يقول “لا” في وجه المجازر، لن يُقال له “نعم” في ساحة التاريخ.

لقد تكلم الملك باسم من صمتوا، وباسم من خُذلوا، وباسم الملايين التي لا تملك منابر لكنها تملك الحق. ومن هنا، فإن صوته لم يكن فقط صوت ملك عربي، بل صوت أمة كانت – ويجب أن تظل – صاحبة الكلمة حين يُخرس الكلام.





  • لا يوجد تعليقات

تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة عمون الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة عمون الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم : *
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق : *
بقي لك 500 حرف
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :