في لحظةٍ ما، يستيقظ الإنسان ليجد أنه لا يريد النهوض. لا لأن الجسد مُتعب، بل لأن الروح نفسها باتت ثقيلة، كأنها لا تريد حمل اليوم الجديد. تتكرّر الأيام، يتبخر الشغف، وتصبح الأحلام القديمة رمادًا لا دفء فيه. وفي زحمة الحياة، تلمع الفكرة القاسية في أذهان كثيرين ما الجدوى؟ لماذا أُكمل؟ حين تنطفئ الأرواح… لماذا يجب أن نكمل؟
لكن… وسط هذا الظلام، هناك إجابة. ليست سهلة. وليست دائمًا واضحة. لكنها هناك.
فيكتور فرانكل، الطبيب النفسي الذي خرج من أفران النازية وقد فقد كل شيء، لاحظ أمرًا غريبًا مَن يملكون سببًا للحياة، كانوا الأكثر صمودًا في وجه الموت. كانوا أكثر قدرة على تحمّل الجوع، والبرد، والإذلال، فقط لأنهم قالوا في داخلهم: يجب أن أعيش… لأراها مرة أخرى، أو لأكتب هذه القصة، أو لأثبت أنني لست ضحية.
هذا ما سماه "العلاج بالمعنى". أن تتعلّق بشيءٍ أبعد منك، شيء يربطك بما هو أسمى من الألم.
وربما لا نعيش نحن في أفران نازية، لكن لكل إنسان منا سجنه الداخلي. لحظة انطفائه، وسؤاله الصامت ماذا بعد؟
أصحاب المرض المزمن … الذين أشعلوا الشمعة من قلب الظلمة
هل تعرف من أين يأتي الضوء الحقيقي؟ من داخل أكثر الأماكن ظلمة.
حين تسأل مريض ما في المراحل المتقدمة من المرض كيف تُكمل رغم الألم؟، قد تسمع إجابة تختصر نظرية فرانكل كلها:
"لأن ابني يحتاجني"، "لأنني وعدت نفسي أن أُتمّ هذه الرحلة"، "لأنني أريد أن أعيش يومًا عاديًا آخر، وأبتسم".
ليسوا خارقين. وليسوا دائمًا متفائلين. هم فقط تشبّثوا بشيء يتجاوز الألم. هدف، صورة، لحظة، وعد. وها هم يمشون، رغم أن أجسادهم تخونهم أحيانًا.
الطلبة… على مقاعدهم التي تحمل فوقها ألف همّ،
هل تعتقد أن طالبًا يتعرض لهذه الأحداث التي نعيشها ، يملك ترف الشغف؟
في الحقيقة، كثير منهم لا يملكه. بل يدرسون تحت ضوء شمعة، أو وسط قصف، أو مع ضغط نفسي ساحق، هذا إذا سمحت الظروف أن يكمل فصله أصلًا.
ومع ذلك، تراهم ينهضون كل صباح، يحملون كتبهم، ويجلسون في الصف.
هؤلاء لا يدفعهم الشغف، بل الإيمان بأن العلم هو النافذة الوحيدة للنجاة.
وهنا تظهر نظرية "الأمل" لعالم النفس ريك سنايدر، التي تقول إن الإنسان يحتاج ثلاثة أشياء ليقاوم:
أن يرى هدفًا واضحًا (مثل التخرج أو كسر دائرة الفقر)، أن يملك خططًا بديلة (إن لم أُقبل في الجامعة، سأحاول منحة، أو أعمل وأدرس معًا)، أن يؤمن بقدرته على الوصول، ولو تأخّر.
ما يحركهم ليس حُبّ المادة، بل رغبة في صناعة مستقبل جديد، ولو كان حولهم كل شيء ينهار.
حين لا تجد الدافع… ابحث عن السبب، لا الشعور،
المشكلة أننا ننتظر الشعور بالحماس كي نبدأ. ننتظر أن نشعر بالشغف. لكن الحقيقة؟
الشغف كذبة في كثير من الأحيان. مشاعرنا بشرية، متغيرة، تنطفئ وتشتعل. أما المعنى، فهو قرار داخلي، لا يعتمد على المزاج، بل على الإيمان بأن "ما أفعله يستحق"، حتى لو لم أستمتع به الآن.
الشخص الذي يستمر في السير، لا يفعل ذلك لأنه مرتاح… بل لأنه اختار ألا ينهزم.
هذا ليس تحفيزًا، بل تذكير أو على الأقل يمكن أن يضيء شمعة في ظلمة أحدهم
لن نقول لك "كن قويًا دائمًا" أو " الحياة جميلة" بل سنقول:
ربما الحياة قاسية الآن. وربما الطريق مسدود. وربما سواد الأيام قد غطى كل شيء.
لكن إن وجدت معنى واحدًا صغيرًا، سببًا بسيطًا، وعدًا قطعته، شخصًا يحتاجك، فكرة تؤمن بها… تمسّك بها كأنها آخر ما تملكه.
لأنها بالفعل كذلك.