الصمود والمقاومة في غزة : بين صبرٍ قصري وصمودٍ طوعي
د. بركات النمر العبادي
22-06-2025 03:05 PM
في قلب الحصار، وتحت وطأة القصف والدمار، تبرز غزة كأيقونة للصمود الإنساني، تتجلى فيها معاني الثبات والإرادة الحرة ، غير أن هذا الصمود يثير تساؤلًا عميقًا: هل هو صبرٌ مفروض بقوة القهر والضرورة ، أم هو صمودٌ نابع من وعيٍ طوعي بالمقاومة والتمسك بالحق؟
ويمكن نسأل: اصبرٌ قصري أم خيارٌ وطني؟ فعندما يُحاصر شعبٌ بأكمله لأكثر من 17 عامًا، وتُغلق في وجهه المعابر، وتُقصف منازله، وتُستهدف مستشفياته ومدارسه ومساجدُه، فمن الطبيعي أن يُطرح تساؤل حول مدى إرادته في الثبات ، وهل هذا الصبر صبرُ اضطرار، لا يملك سواه ، أم هو قرارٌ أخلاقي ووطني؟
الواقع في غزة أكثر تعقيدًا من ثنائية الإجبار والاختيار ، فأبناء غزة صامدون رغم كل الظروف، لا لأنهم مجبرون فقط ، بل لأنهم اختاروا أن تكون المقاومة أسلوب حياة ، وهوية شعب، وصوت حقٍ في وجه الظلم ولقد حوّل أهل غزة المعاناة إلى عزيمة ، والحرمان إلى إبداع، واليأس إلى أمل.
الصمود الطوعي: وعيٌ جماعي لا ينكسر ، الصمود في غزة لم يعد مجرد رد فعل ، بل أصبح فعلًا واعيًا ، و الأم الفلسطينية التي تودّع أبناءها الشهداء ، والطفل الذي يكتب اسمه على حقيبته المدرسية تحسّبًا ، والمزارع الذي يعود إلى أرضه المزروعة على خط النار، كلهم اختاروا الحياة الكريمة رغم قسوتها ، على حياة الذل تحت الاحتلال.
إن مقاومة الاحتلال في غزة لا تقتصر على السلاح، بل تشمل التعليم ، والإعلام ، والطب ، والفن ، وكل أشكال الحياة ، فكل حجر يُعاد بناؤه ، وكل طفل يذهب إلى المدرسة ، وكل مبادرة تُطلق من قلب الركام ، هي شكل من أشكال المقاومة.
الرسالة الأعمق: ان غزة ليست ضحية ، بل رمز ، أرادوا الصهاينه لغزة أن تكون مجرد "قضية إنسانية"، تثير الشفقة وتُطلب لها المعونات ، لكنها أبت إلا أن تكون "قضية حرية"، تثير الإعجاب وتُلهم الشعوب، فالشعب الذي يصمد على مدار سنوات ، رغم الجراح، رغم الانقطاع، رغم التخاذل الدولي و الانحياز الواضح لاسرائيل، وهذا الشعب يستحق أن يُحتذى به.
فالصمود ليس خيارًا سهلًا، بل موقف نبيل : ما يجري في غزة ليس مجرد نزاع عسكري، بل هو معركة كرامة، تخوضها أمهات وآباء ، شباب وأطفال ، بوعي وإيمان ، وبين الصبر القسري والصمود الطوعي، اختار أهل غزة أن يكتبوا تاريخهم بأيديهم، وأن يعلّموا العالم أن الكرامة أثمن من الراحة، وأن الحرية لا تُوهب ، بل تُنتزع.
في ظل الظروف التي تمر بها غزة وسائر مناطق الصراع و الشباب العربي لابد من تعزيز الصمود الطوعي لدى الشباب، وهذا لا يعني فقط أن يصمدوا، بل أن يفهموا لماذا يصمدون، وأن يتحول هذا الصمود إلى قناعة وهوية ومشروع حياة.
التوعية بالهوية الوطنية والحقوق التاريخية من مقومات الصمود الطوعي: لا يمكن أن يصمد الشاب طوعًا إذا لم يعرف لماذا يصمد ، وتعزيز المعرفة بتاريخ فلسطين، و بالحق الفلسطيني ، وبالجرائم الصهيونية بحق العرب و المسلمين أمر أساسي.
يمكن استخدام أدوات رقمية مثل بودكاستات، أفلام قصيرة، وإنفوغرافيك موجهة للشباب، والربط بين الصمود والقيم الإسلامية والإنسانية كالصبر، التضحية، والإيثار هي قيم قرآنية، و ربط الصمود بالعبادة والرضا بالقضاء و القدر ، حينها يصبح خيارًا روحانيًا ونفسيًا يُقوّي الشباب، ويمكن بناء نماذج ملهمة محليًا، وعرض قصص شباب صامد تمكن من التغيير، أو استشهد بعد أن أنجز، وقصص مثل "أيمن جودة – المصور الشهيد" أو "صانعي المحتوى تحت النار" تعطي بُعدًا واقعيًا للصمود، و اخيرا الاعتراف والاحتفاء بمن يصمد : كتكريم الصامدين، المبدعين تحت النار، وتصديرهم كرموز هو أهم أدوات التحفيز، فالتقدير المعنوي يُشعر الشاب أن صموده ليس عبثًا.