هل رقصت المشاريع على جثة حلم الشريف؟!
محمود الدباس - أبو الليث
23-06-2025 02:38 PM
لم يكن الشريف الحسين بن علي.. رجلاً عابراً في التاريخ.. بل كان مشروعاً متكاملاً.. انطلق من أتون الظلم والتهميش.. ليحاول بعزم الواعين.. لا المندفعين.. أن يصنع حلماً عربياً يمتد من المحيط إلى الخليج.. حلماً ولد من رحم الثورة العربية الكبرى.. لكنه لم يُترك ليحيا.. بل وأدوه في مهده.. كما توأد البنات في الجاهلية خوفاً من العار..
انظر حولك اليوم.. تركيا التي ورثت جثة الخلافة العثمانية.. جعلت من القومية التركية ديناً جديداً.. لم تنظر خلفها كثيراً.. بل قالت.. تركيا أولاً.. حتى لو حكمها مَن جرحها.. فالوطن لديهم.. أقدس من الماضي.. وأحق بالبقاء.. وإيران.. التي تبني مشروعها القومي.. المكسو بثوب ديني.. تغرسه في الأجيال منذ عقود.. لا تهتز لهويتهم قذيفة.. ولا تخدش مشروعهم صدمة..
أما نحن.. فكلما حاول أحد أن يبني مشروعاً.. سارعنا لدفنه بأيدينا.. وخونّاه على المنابر.. الشريف الحسين ثار.. لا لأجل سلطة.. بل لأجل أمة تم سلبها لسانها.. ومكانتها.. وكرامتها.. وما أن بدأ ينسج خيوط مشروع عربي جامع.. حتى انهالت عليه طعنات الداخل.. قبل الخارج.. فكانت خيانته الأولى ممن نطقوا بالعربية مثله.. قبل أن ينقض عليه مَن كان يعده شريكاً في النصر..
واليوم.. لا نزال ندفع الثمن.. لا لخطأ في الرؤية.. بل لأننا لم نرَ أصلاً.. نعيش في محيط من المشاريع الكبرى.. مشروع فارسي.. مشروع تركي.. مشروع صهيوني.. وحتى المشاريع الغربية.. الكل عنده رؤية.. وعنده هدف.. إلا نحن.. صرنا مرتزقة على أطراف كل طاولة.. نشتُم هذا اليوم.. ونصفق له غداً.. نقاتل بعضنا.. نيابة عن الغير.. ونُقتل في سبيل مَن لا يرونا أصلاً..
كم من مرة جلسنا في حضرة التاريخ وقلنا.. لو أننا كنا مع الحسين وأبنائه؟!.. كم من فرصة مرت لبناء مشروع عربي جامع.. وأجهضناه بأنفسنا خوفاً من بعضنا؟!.. نحن لا نفتقد الموارد.. ولا العقول.. نفتقد الإيمان بالمشروع.. نفتقد مَن يجعل من العروبة راية.. لا غنيمة..
الشريف الحسين لم يخسر لأنه أخطأ.. بل خسر لأنه سبق زمانه.. وكان أنقى من أن يتقن فنون الخيانة والتآمر.. أبناءه نُفوا.. وقُتلوا.. وقُطعوا عن عروبتهم.. لأنهم أرادوا بناء دولة بوجهٍ عربي.. بوجهٍ لا يخجل من لغته.. ولا يتوارى خلف رايات مستوردة..
أما نحن.. فقد اختنقنا بمشاريع غيرنا.. وأصبحت أرضنا ساحة حرب.. ودمنا حبراً في خرائط الآخرين.. نُقَطّع كما تُقَطّع الكعكة.. ويقال عنا جغرافيا رخوة.. ويحق لنا أن نبكي.. لا فقط على الشريف الحسين.. بل على ما يمكن أن نكونه.. لو أننا فقط صدّقنا مشروعه..
فقد رقصت المشاريع من حولنا.. على جثة حلم الشريف.. بينما كنا نحن.. نحمل الطبول.. ونغني مع الرقصات.. دون أن نعلم أننا نحتفل بهزيمتنا الأخيرة..
فهل نبكي اليوم؟!.. أم نستفيق من غيبوبتنا؟!.. وهل فينا مَن يملك الجرأة ليقول.. هذا زماننا.. ولغتنا.. ومشروعنا.. ولن نكون بعد اليوم وقوداً لمشاريع غيرنا؟!..
أم أننا اعتدنا البكاء.. وصار الحزن هويتنا الوحيدة المتبقية؟!