التوجيهي بين هوية المدرسة وتغوّل الدرس الخصوصي!!
د. ثابت المومني
24-06-2025 12:32 PM
يتكرر المشهد كل عام وبعيد الانتهاء من كل امتحان لكل مادة تقريبيا، فما ان ينتهي الامتحان الا ويخرج علينا عدد من الطلبة في حالة تذمر شديد من صعوبة الامتحان، ووصفه بأنه طويل، معقد، وغير مألوف.
هذا السلوك ليس وليد اليوم، لكنه بات علامة دالة على أزمة أعمق من مجرد اختبار.
فالمشكلة لا تكمن في ورقة الأسئلة وحدها، بل في المنظومة التعليمية التي تغيّرت ملامحها، وتبدّلت بوصلتها حيث لم تعد وزارة التربيه هي صاحب القرار في بوصلة عملية التعليم وخصوصا في مسالة التوجيهي.
من يتأمل واقع امتحان الثانوية العامة، لن يرى فيه اليوم انعكاسًا حقيقيًّا لهويّة وزارة التربية والتعليم، بل بات الامتحان أشبه بنتاج لتجاذبات مصالح خارجة عن رحم الوزاره، تقودها "تجارة التعليم" التي تسللت إلى مفاصل المنظومة التربوية، ففرّغتها من معناها ومنظومتها.
طالب التوجيهي، كما نراه اليوم، لم يعد مرتبطًا بالمدرسة لا وجدانيًا ولا معرفيًا فالمدرسة التي كان يُفترض أن تكون بيته الثاني ومصدر علمه وثقته، أصبحت خيارًا هامشيًا، في ظل ثقافة التعليم الخصوصي، والتعليم الإلكتروني المُدجّن بمقاطع مختارة، ووصفات معدّة سلفًا، توزعها المراكز التعليمية وكأنها تبيع بضاعة في سوق لا يعرف الرحمة.
فقبل عقود خلت ، بدأ اعتماد الطالب على الدرس الخصوصي واصبح الدرس الخصوصي وكانه موضه او صرعه يهتم بها الطالب واهله بكل اسف .
وشيئًا فشيئًا ، بدا الدرس الخصوصي هو الاساس بينما تراجع درس المدرسه ليصبح شيئا ثانويا.
لقد تُركت المدرسة في الخلف، المعلم بالمدرسه لا حول له ولا قوه حيث ان هذا المعلم اما ان يكون هو معلم الخصوصي ذاته او انه يكون معلم مخلص في صفه ومدرسته ويقوم على خدمه طلبته ولكن وبكل اسف يكون هذا المعلم المخلص تحت نيران معلم الدرس الخصوصي والذي يوهم الطالب بانه سوبرمان ويفهم كل شيء وانه المنقذ الاعظم وهو من يستطيع ان يقود الطالب حيث العلياء والتفوق فبات الدور التعليمي يُدار من خارج أسوار المدرسه بقياده وريادة مراكز خاصة، و"سيديهات" معدّة، و"معلم نجم" يملك خلطة النجاح، وكأن النجاح في التوجيهي بات تجارة تُسوّق بأسلوب استهلاكي، لا بناءً تربويًّا.
ومن هنا ومن منطلق خبرتي التربويه أكاد أجزم أن هذه الخلطات ما هي إلا وهم كبير، لا يصنع فهمًا ولا يرسّخ فكرًا تربويا.
المؤلم في هذا المشهد، أن المدرسة والتي كانت ذاك المكان الذي يجب أن يصوغ الشخصية والفكر، ويعلّم الطالب كيف يتعلّم ، أصبحت مغيّبة عن كل هذا وبات القرار التربوي التعليمي بيد تجار التعليم والذي بات تاثيرهم بين الصفوف الطلبه اكبر من تاثير وزاره التربيه نفسها.
وعلى ضوء ما سبق فانني ارى انه لا يجب علينا ان نلقي اللوم على الوزاره او المدرسه لتقصير او اخفاق طالب في امتحاني توجيهي، طالب غاب عن الالتزام الدوام في صفه ومدرسته.
علينا ان نلقي اللوم على مؤسسات ومراكز وتجار تعليم باتت وزاره التربيه والتعليم ضحيه وفي محل اخفاق في انجازاتها أمام تغوّل تجار التعليم.
من هنا وكراي شخصي فانني يقول باننا اذا أردنا حقًا أن نُعيد التعليم إلى بوصلته الصحيحة، فعلينا أن نُعيد العمليه التعليميه التعلميه للمدرسة ، ونُحصّنها من تدخلات تجار التعليم.
علينا ان نعمل جميعا لمكافحه هوامير تجاره التعليم والذين يغررون بابنائنا وطلبتنا باحلام بقيعه يحسبها الطالب املا الابداعي والتفوق في عين الحقيقه ما هي الا وعود يستغلها تجار جاشعين عندما يستغلون بساطه وطيبه وعدم خبرته ابنائنا طلبتنا في التوجيهي.
واننا واذ نلقي اللوم على تجار التعليم في تشويه منظومه الثانويه العامه التوجيهي فاننا يجب علينا ان نعترف باننا بحاجه لتعزيز دور المعلم في مدرسته بانظمه وتشريعات وحوافز ماديه ومعنويه تمكنه من بذل قصار جهده للارتقاء بمستوى التعليم والتعلم داخل غرفه الصف معززا ذلك بمراجعة جريئة للمناهج واساليب التدريس الحديثه التي تقوم على اساس التعليم الذاتي وتصحيح مسار التعلم كان يكون تعليما قائما على التلقين وتبعيه الطالب بفكره للمعلم.
يجب علينا ان نعيد صياغه المفاهيم التي تحكم العلاقة بين الطالب والمدرسة، وبين التعليم والتعلّم، وبين النجاح الحقيقي وبين وهم التفوق من خلال الاستعانه بالدرس الخصوصي عوضا عن درس المدرسه.
التوجيهي ليس فقط امتحانًا، بل هو مرآة لواقع تعليمي يحتاج لإصلاح، وجذوره تبدأ من المدرسة، لا من شاشات العرض ولا من "سيديهات" تباع وتشترى في المكتبات والاسواق.