الحرب في الشرق الأوسط .. بين التهديد النووي وصراع النفوذ
د. ايهاب عمرو
25-06-2025 02:29 AM
أثارت الحرب بين إسرائيل وإيران التساؤلات بشأن المغزى الحقيقي من وراء تلك الحرب، وفيما إذا كان الهدف المعلن ألا وهو تدمير القدرات النووية الإيرانية يشكّل الهدف الحقيقي أم أن هناك أهدافا أخرى غير معلنة، مع ضرورة الإشارة إلى إعلان إيران إلى أن تخصيب اليورانيوم إنما يتم لأغراض سلمية، وليس لإنتاج سلاح نووي.
ولعلّ المراقب الحصيف توقع ذلك السيناريو، خاصة بعد توالي الأحداث منذ السابع من أكتوبر 2023 من جهة إضعاف وتحييد وكلاء إيران في المنطقة، ما يمكن معه القول إن حادثة السابع من أكتوبر أضرّت كثيراً بإيران، وأفادت الطرف الآخر. إضافة إلى تعثر المفاوضات بين الولايات المتحدة وإيران ما أدى ربما لقيام الولايات المتحدة بمنح ضوء أخضر (غير معلن) بشن تلك الحرب من أجل الضغط على إيران وجرّها إلى طاولة المفاوضات ضعيفة ومنهكة وغير متماسكة ما قد يؤدي إلى قيامها بتقديم تنازلات تؤدي إلى المضي قدماً في الوصول إلى اتفاق جديد ومختلف عن سابقه.
ومع التأكيد على أن المشروع النووي الإيراني كان، ولا يزال، يشكّل هاجساً، وربما تهديداً، لدى خصوم إيران وبعض جيرانها، على الأقل في العلن، إلا أن الحقيقة تبقى أن إيران ربما أبعد ما تكون عن إنتاج السلاح النووي، وهو ما أكده المدير العام الأسبق للوكالة الدولية للطاقة الذرية في معرض حديثه ذات مرة عن المشروع النووي المذكور، وما أكدته أيضاً مديرة الاستخبارات الوطنية الأميركية في جلسة استماع في مجلس الشيوخ الأميركي قائلة بأن التقييمات الاستخبارية تشير إلى أن إيران لا تقوم حالياً بتصنيع قنبلة نووية، مع تأكيدها على أن إيران لا تقوم بإعادة تشغيل برنامج الأسلحة النووية الذي تم تعليقه في عام 2003.
وأياً كان الأمر، فإن التهويل من الخطر الإيراني كان أمراً مدروساً منذ مدة طويلة تمهيداً لتلك الضربة المباغتة، ليس فقط بسبب حالة الخشية من قدرة إيران على إنتاج سلاح نووي، وإنما أيضاً لأهداف لها علاقة بالهيمنة على المنطقة ما يستدعي ضرب إيران وإضعافها كونها تشكّل قوة إقليمية لا يستهان بها ربما تقف في وجه المشروع التوسعي النقيض. ولا بد من التأكيد هنا إلى أن قيام إيران باستخدام موضوع تخصيب اليورانيوم إنما كان لرغبتها في فرض نفسها كقوة إقليمية، وهو ما نجحت به إلى حد كبير لغاية السابع من أكتوبر من العام 2023.
ومن حيث العواقب، نشير هنا إلى أن الحرب الحالية لم تكن لتتوقف إلا بعد إضعاف قدرات إيران الصاروخية وتدمير منشآت التخصيب بالكامل تمهيداً لعزل إيران وتحجيم دورها في المنطقة ما قد يساهم في إعادة رسم خريطة الشرق الأوسط وفقاً لمقاسات محددة ذات أبعاد جيوسياسية واستراتيجية بعيدة المدى. وذلك كله يشي بإمكانية تطبيق نظرية (الدومينو) على الحالة الراهنة في الشرق الأوسط، بحيث إن إضعاف إيران وتحجيم دورها قد يتبعه استهداف دول وازنة أخرى في المنطقة ليس فقط عسكرياً وإنما اقتصادياً وسياسياً، ما قد يشمل كل من تركيا والباكستان، وهو ما يبرر خشية كل من تركيا وباكستان من الحرب الحالية وتأثيراتها بعيدة المدى على الخريطة الجيوسياسية في المنطقة.
ومن حيث العواقب الاقتصادية، فإن استمرار تلك الحرب لفترة أطول كان من الممكن أن يحمل تداعيات سلبية على الاقتصاد الدولي، ما يشمل ارتفاع أسعار النفط والغاز نتيجة عدم الاستقرار في إنتاجها، والتأثير على الملاحة البحرية الدولية، مع ضرورة أخذ تهديدات إيران بشأن إغلاق مضيق هرمز بجدية، إذا ما علمنا أن ربع تجارة النفط العالمية تمر عبر مضيق هرمز وفقاً لبعض المختصين، مما يساهم في التأثير على إمدادات الطاقة إلى أوروبا، والتأثير على أمن الطاقة في العالم، وهو ما قد يؤدي بالضرورة إلى ارتفاع أسعار النفط بشكل غير مسبوق، كما أسلفنا.
إضافة إلى الآثار البيئية نتيجة تلك الحرب والخشية من تسرب إشعاعات ضارة نتيجة استهداف مواقع التخصيب الإيرانية، ما قد يؤدي إلى إزهاق حياة المدنيين الأبرياء، والخشية من امتداد تلك الآثار ربما إلى دول أخرى في المنطقة، خاصة في منطقة الخليج العربي، ما كان يستدعي معه أخذ الاحتياطات اللازمة ذات العلاقة لمنع تسرب أية إشعاعات ضارة.
خلاصة القول: إن الأهداف المعلنة من وراء تلك الحرب ربما تختلف عن الأهداف الحقيقية التي تهدف إلى إعادة تشكيل منطقة الشرق الأوسط من منظور جيوسياسي وجيوستراتيجي لعقود طويلة قادمة، من أجل إخضاع دول المنطقة، خاصة الكبرى منها، تمهيدا لمنعها من أن تمارس دورها كقوى إقليمية وازنة من جانب، وتحسباً لأي (تهديد) عسكري أو نووي قد تشكله تلك الدول مستقبلاً.