facebook
twitter
Youtube
Ammon on Apple Store
Ammon on Play Store
مواعيد الطيران
مواعيد الصلاة
rss
  • اخر التحديثات
  • الأكثر مشاهدة




قراءة غير مٌلزِمة في حربٍ لم يفهمها نُخَبٌ قبل الجماهير


محمود الدباس - أبو الليث
25-06-2025 08:17 PM

في البدء.. ظنّ البعض أن الحرب فيلم أكشن قصير.. وأن الصاروخ حوار.. والطائرة جملة اعتراضية.. والضحايا مجرّد كومبارس.. لا يغيّرون نهاية المشهد..

ركض المحللون.. وهرول المتحمّسون.. وبدأت فرق "الكي بورد" تمارس البطولة من خلف الشاشات.. كلٌّ يرسم النصر على طريقته.. فهذا يرى في الدخان وثيقة مجد.. وذاك في الصراخ إعلان كرامة.. وآخر أقنع نفسه.. أن دمار منزله انتقام سماوي..

حرب بصرية.. مليئة بالمؤثرات.. مشاهد مبهرة.. وانفعالات حماسية.. لكن ما خلف الستار.. كان أكثر وضوحاً.. كان هناك كيان يضرب.. ويَخترِق.. ويختال بنجاحاته.. دون أن ينطق بكلمة واحدة زائدة.. وكانت هناك دولة.. تردّ بعين مغمضة.. وذراع مكسورة.. ثم تقنع مَن حولها.. بأنها صفعت العدو بكعب الحذاء..

في الليلة التي صفّق فيها البعض للنصر العظيم.. كانت الطائرات الاسرائيلية تحلّق في سماء طهران.. وكأنها في رحلة مدرسية.. تقف فوق الهدف.. وتلتقط أنفاسها.. ثم تُطلق صواريخها بكل سلاسة.. لا مضادات.. لا ارتباك.. لا حتى صفارات إنذار تستحي على نفسها..

في تلك الليلة.. قُتل القادة.. وسُحقت الدفاعات.. وتحوّل علماء النووي.. إلى ذكريات مؤرخة بأرقام تسلسلية.. ثم قامت إيران باستبدال مَن قضى.. فاغتيل البديل بعد أيّام.. حتى بات التعيين في المناصب العليا في إيران.. شبيهاً بتوقيع عقد عمل في حقل ألغام..

لكن.. لحظة.. هذا لا يهم.. فالمهم أن إيران ردّت.. نعم ردّت..

أطلقت صواريخها بكلّ فخر.. أحدثت دماراً هنا وهناك.. قُتل عدد من الإسرائيليين.. وهذا لا يُستهان به طبعاً.. ولكن بالمقابل.. لم يسأل أحد نفسه.. ما الذي بقي من البنية الأمنية والعسكرية والعلمية الإيرانية ليكمل جولة أخرى؟!.. وهل الهدف أن تبقى فقط يدٌ تلوّح لا تقدر أن تقبض؟!..

ثم ظهرت أمريكا.. صاحبة اليد الدافئة حيناً.. والقبضة الحديدية حين تشاء.. ضربت منشآت النووي.. وغادرت دون استئذان من أحد.. لكن إيران لم تسكت.. أعلنت أنها ستضرب أهدافاً أمريكية.. وتلقّنها درساً عميقاً في الانتقام..

قاعدة العديد.. لن يؤلم أمريكا أكثر منها.. تم إخلاء القاعدة.. حتى الحراس.. والقطط.. والفئران غادروها.. ثم أطلقت إيران صواريخها الأربعة عشر.. فتم اعتراض ثلاثة عشر منها.. وسقط الأخير في الصحراء.. في مكان ما بين نملةٍ باحثة عن رزقها.. وضبٍّ هاربٍ من الحرّ..

وهنا كانت القفلة العبقرية.. خرج الرئيس الأمريكي يقول.. انتهت الحرب.. على إيران أن تفرغ ما في جعبتها قبل السابعة صباحاً.. والكيان يملك 12 ساعة بعدها.. لضرب أي شيء يتحرك.. حتى وإن كان جرذاً على سطحٍ في طهران..

نهاية تليق بمسلسل رديء.. ولكن لم تنتهِ المهزلة هنا.. بل بدأت.. فالمطبلون لإيران.. خرجوا يصرخون بالنصر المؤزّر..

نصر بمقاييس جديدة.. لا يحتاج بنى تحتية.. ولا قادة.. ولا علماء.. نصر يكفي فيه أن "الوليّ الفقيه" ما زال على قيد الصورة.. نصرٌ تحقّق.. لأن أحد الصواريخ تأخّر بضع دقائق عن وقف إطلاق النار.. وركضت كل إيران لنفي أنه من عندها.. نصرٌ يليق ببيان إنشائي في كتاب الصف الخامس جيم.. لا بخريطة دماءٍ غيّرت وجوه المدن..

بل الأعجب.. أن الكيان أعلن.. أن الخميني ليس هدفاً منذ البداية.. فصدّق الجميع أنه المنتصر.. وكأن المطلوب.. هو أن ينجو الحاكم.. لتربح الدولة.. لا أن تنجو الدولة.. لتربح الأمة..

ثم بعد كل هذا.. ستجلس إيران على طاولة المفاوضات.. على الشروط ذاتها.. التي قالت قبل الحرب إنها خطوط حمراء.. فإذا بها بعد الحرب.. تلوّنها بالالوان الزاهية.. وتخطّها بأقلام الموافقة..

ومع ذلك.. يخرج علينا مَن يعتبر هذه ملحمة.. ويطالب بأن ندرسها في مدارسنا.. ونُنشئ جيلاً يحلم أن يصبح صاروخاً.. لا يُعترض.. أو حتى يُعترَض "كله مثل بعض".. أو قائداً يُغتال بعد أيامٍ من تعيينه..

يا قوم.. بالله عليكم.. وبغض النظر عن الموقف من إيران.. والتي أزهقت دماءً كثيرة.. وكثيرة جداً في العراق.. وسوريا.. واليمن.. ولبنان.. وغطت ايديها الدماء الزكية في أماكن.. لم يعد يهم ذكرها.. فالكل يعلم كيف تفعل إيران بواسطة أذرعها..

لكن ألا يحق للعقل أن يفتح عينه ولو مرةً واحدة؟!.. ألا يستحق الإنسان فينا.. أن يحترم نفسه قليلاً حين يصفق؟!.. ألا يستحق الشعب الإيراني ذاته.. الذي خُدع.. وضلّل.. ودُفِعَ ليكون درعاً بشرياً في حربٍ.. لا يملك قرار بدئها.. ولا وقت نهايتها.. أن نقول له كفى؟!..

أي نصر هذا الذي يضحّي بكل شيء.. ثم يحتفل لأنه لم يُقتل كل شيء؟!.. أي عقول هذه.. التي تصف الهزيمة بأنها تكتيك؟!.. والخسارة بأنها جزء من الخطة؟!..

وفيما كانت إيران تعقد مؤتمراً صحفياً لتفسير معنى النصر الجديد.. كانت الطائرات المُسيّرة الاسرائيلية.. تُحلق فوق الأحلام الإيرانية.. تقطع الاتصال بين الجملة والفعل.. وتنهي الجملة بنقطةٍ من نار..

أما الطامة الكبرى.. فهي في أولئك الذين يجلسون في المقاهي.. ويصفقون بحرارةٍ للمشهد.. يشربون الشاي.. ويتحدثون عن الرد الإيراني العظيم.. وعن قدرة طهران على الوقوف مجدداً.. دون أن يسأل أحدهم نفسه.. ما الذي تبقّى ليرتفع؟!..

يُخبروننا بأن الكيان الإسرائيلي خائف.. ثم نرى طائراته تتنزه فوق أصفهان.. تُوزع القنابل كما توزع الطائرات المدنية المنشورات السياحية.. يقولون إن أمريكا مرعوبة.. ثم تقوم بضرب منشآت نووية وتمضي إلى أقرب قاعدة دون أن تنظر خلفها..

ثم نُصدّق.. ونكرر الشعارات.. ونسخر من عقولنا قبل أن نسخر من عقول غيرنا..

أعجب ما في الأمر.. أن الحرب انتهت بإعلان أمريكي.. وبقبول إيراني.. وبسخرية دولية.. وبتهليل مطبلي العرب.. الذين رأوا في هذه الحرب ملاحم الكرامة.. بينما لم تكن سوى مسرحية قصيرة.. بممثلين لا يُجيدون البكاء حتى إن ضُربوا فعلاً..

لكن فلنقل ما لا يريد أحد أن يسمعه..

فلنقل إن إيران التي كانت تَعد نفسها قوة إقليمية ضاربة.. خرجت من هذه المعركة مجرّدة من أوهامها.. ومثقوبة في صميم مشروعها.. فلم يعد للنووي حضورٌ إلا في الخطب.. ولم يعد للقادة ظلٌّ إلا على شواهد القبور.. ولم يعد لهيبتها في المنطقة غير بقايا حبر على لافتات الحشد الشعبي..

وإنه إن كان هناك من انتصر فعلاً.. فهو ذاك الذي فهم اللعبة.. ورأى أن الصراع لا يُقاس بعدد الصورايخ التي أُطلِقت.. بل بعدد الأهداف التي فُقدت..

وإن أعظم هزيمة في هذه الحرب.. ليست مادية فقط.. بل فكرية.. حين امتلأ فضاءنا العربي بمن يصنع من الفشل مجداً.. ومن الارتباك حكمة.. ومن السقوط بطولة.. فقط ليبقى في كهف الوهم قليلاً.. قبل أن تنهار عليه الحجارة..

إن الحرب كانت حقيقية.. لكنها كانت أيضاً شاشة اختبار للعقول.. ومن ظنّ نفسه منتصراً لأنه لم يُضرب على وجهه مباشرة.. فليعلم أن الصفعة التي لا تُرى.. أعمق من تلك التي تُسمع..

وليعلم الجميع أن صاروخاً يسقط في الصحراء.. لا يعني أنك قوي.. بل يعني أنك فقدت حتى ميزة الضرب في الاتجاه الصحيح.. وأن نجاتك من الضربة القاضية.. لا تعني أنك ملاكم.. بل تعني أنك لم تكن أصلاً في الحلبة..

بعض النهايات لا تحتاج موسيقى تصويرية.. بل تحتاج فقط صمتاً طويلاً.. يعلو فيه صوت الحقيقة في داخل مَن ما زال يظن.. أن الطبول تصنع الانتصارات..

وفي الختام.. مبروك لإيران.. أنها خاضت أول حربٍ ضد أناسٍ غير عربٍ.. أو مسلمين.. وأثبتت أنها تستطيع أن تخسر بمساواة تامة مع الجميع..





  • لا يوجد تعليقات

تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة عمون الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة عمون الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم : *
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق : *
بقي لك 500 حرف
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :