نحو مستقبل تعليمي أكثر عدالة: هل آن أوان إلغاء امتحان الثانوية؟
د. محمد خالد العزام
26-06-2025 06:44 PM
في زمنٍ تتسارع فيه رياح التغيير التربوي، دون بوصلة واضحة تهدي الطريق، وجد الطالب ووليّ أمره نفسيهما في مركبٍ يتأرجح وسط أمواج من الغموض. لا يعلم أحدهما أكان قد تغيّر المنهاج، أم تبدّلت خريطة الامتحان، فالمشهد بات كلوحة ضبابية، لا ملامح فيها سوى التخبّط.
امتحان الثانوية العامة، الذي كان في الماضي مفتاح الأمل وبوابة الحلم، تحوّل اليوم إلى عبء ثقيل، وسورٍ عالٍ يقف في وجه الطموح. لقد صار امتحان اليوم كمن يُلقي بشبكته في بحرٍ عاصف، يصطاد الحفظ ويغفل الفهم، ويكافئ التكرار ويقصي الابتكار. بين ضغط الوقت، وتوزيع الدرجات كأنها قسائم نجاة، وبين هشاشة العدالة في التقييم، تحوّل الامتحان إلى مرآة مكسورة لا تعكس حقيقة الطالب، بل شظايا من قدره.
ولذلك، فإن البقاء أسرى لهذا النموذج لم يعد خيارًا. فالعالم من حولنا يخطو بثبات نحو أنظمة تعليمية تُعلي من شأن الكفاءة التراكمية، وتفتح أبواب الجامعات لمن يثبت استعداده، لا لمن يحسن اجتياز اختبار واحد. يمكن اعتماد نموذج أكثر إنصافًا، حيث يبني الطالب مستقبله كمن يشيد بيتًا طوبةً طوبة، عبر أداء أكاديمي متدرج، واختيار تخصصه بناءً على ميوله وإنجازاته، لا على ورقة تتقلّب بين لجان التصحيح.
إن التغيير الحقيقي لا يأتي من هوامش النظم، بل من قلبها النابض. فالتعليم ليس حقل تجارب، ولا أبناؤنا أوراق يُرمى بها في مهب رياح الصدفة. التغيير الجذري، هنا، ليس ترفًا بل واجب، وحين نحسن الاختيار، نكون كمن يغرس بذرةً في تربةٍ واعدة، ليقطف منها الوطنُ أجيالًا أكثر وعيًا، أشدّ عزيمة، وأعمق فهمًا.