حين تكون القيادة في سن الطموح لا في عمر الدولة
د. أميرة يوسف ظاهر
28-06-2025 07:18 PM
في زمن يشتد فيه غبار الضجيج السياسي وتضيع فيه بوصلة الشباب العربي بين الاغتراب والانتظار، يطل الأمير الحسين بن عبدالله الثاني لا كوجه رسمي، بل كحالة رمزية تستحق التأمل. ليس مجرد وريث عرش، بل نسق جديد في بناء القيادة، يندمج فيه التاريخ بالحاضر ويولد فيه المستقبل من رحم الواقع، لا من نصوص محفوظة، فمن النادر في العالم العربي أن نجد أميرا شابا لا يتكئ على شرعية الدم وحدها، بل ينحت لنفسه شرعية الكفاءة والانحياز للمستقبل. شاب يتقدم في مشهده العام لا ببزة عسكرية ولا بمنصة خطابية، بل بحضوره الإنساني الفكري الميداني، وبطريقة تعيد تشكيل العلاقة بين الدولة وشبابها على قاعدة الشراكة لا التلقين.
ما يلفت في شخصية سموه ليس الخطاب وإنما الفعل الذي يسبق العبارة، والحضور الدائم في ساحات العمل والإيمان بأن التعليم لا يصلح إلا حين يلامس سوق العمل والعالم معا، والتركيز على القطاعات التي تصنع اقتصادا لا يستهلك فقط بل ينتج ويبتكر؛ فدعمه لجامعة الحسين التقنية، وحرصه على مواكبة الثورة الرقمية، ومتابعته لموضوع الذكاء الاصطناعي، لا يتأتى ضمن ترف معرفي ولكن انطلاقا من وعيه بأن البقاء لا يكون بالتحصين وإنما بالتحول الذكي، ومن هنا يظهر سموه كقائد يؤمن أن الأردن لا يملك ترف التأخر ولا يحق له إلا أن يسبق -ولو بخطوة واحدة- هذا الركب العالمي المتسارع.
ولي العهد لا ينظر إلى الشباب كحالة عمرية أو كتلة انتخابية، بل كركيزة وجودية لبناء الدولة الحديثة، فمن مبادرة “حقق” التي غيرت مفهوم الانتماء من شعار إلى سلوك، إلى دعمه المستمر للريادة والمشاريع الاجتماعية، إذ بدا واضحا أنه لا يسعى إلى استرضاء جيل، لكنه ينتقل إلى إعداده لحمل عبء المرحلة القادمة، هذا الفهم السياسي جعله لا يكتفي بالإنجاز، بل يتقدم بهدوء في تشكيل صورة جديدة للقيادة، قيادة لا تنفصل عن نبض الشارع، ولا تخشى أن تنزل إلى تفاصيل الحياة اليومية، بل تجعل منها مادة حكم وفهم.
ولا يخفى أن ولي العهد بدأ منذ سنوات في رسم ملامح “مدرسة حكم” خاصة به، مدرسة لا تتكئ على رمزية الاسم بل على استيعاب ديناميكيات العصر، إذ لا يكفي أن تكون صادق النية بل يجب أن تكون حاذقا في إدارة التحولات، قادرا على المزج بين الأصالة والرؤية المستقبلية، وهنا يبدو الحسين ابن هذا العصر لكنه ليس منساقا له، وإنما موجها لمساراته بما يخدم بلده وشعبه.
ولعل أبرز سماته قدرته على استيعاب التحولات لا بانفعال بل بتأن وذكاء فهو لا يتعامل مع الملفات الكبرى كالشعارات، بل كبنية تستحق أن تفكك ويعاد تركيبها بلغة تفهم التحديات ولا تخاف من الأسئلة الصعبة، ومن اللافت وسط خطابات التطمين التي تغرق المشهد العام، أنه يفضل الصمت أحيانا كعارف لا كعاجز، وفيه كثير من القول لمن يحسن الإصغاء.
وفي ميدان السياسة لم يكن سموه بعيدا عن فكرة التحديث، بل جزءا عضويا من معادلة التحول السياسي التي طرحها جلالة الملك، لكن بصوت أكثر شبابا وأقرب إلى وجدان الجيل الجديد. فرؤيته ليست مجتزأة من خطاب رسمي ولكن حصيلة تفاعل واستيعاب، لذلك فإن الحديث عنه لا يجب أن يكون عن إنجازات بل عن فلسفة وعن بناء هادئ لشرعية مستقبلية تستند إلى احترام الناس والإنصات لهم، لا الاكتفاء بالحديث عنهم.
وفيما تتشظى صورة القيادة العربية بين الحضور الطاغي والغياب المحير، يبدو ولي العهد أنموذجا ثالثا: حاضر بعقل لا بصخب، شاب لا يخفي حداثته ولا يتبرأ من جذوره، تلك المعادلة الدقيقة بين الجرأة والاتزان وبين التواصل والهيبة، هي ما يجعل الحسين مشروع قائد عربي يندر تكراره ويصعب تقليده.
في عيد ميلاده الحادي والثلاثين، لا نكتب تهنئة بروتوكولية، وإنما نقف على ملامح تجربة تبنى بهدوء وثقة حتى يصبح الاسم عنوانا لمرحلة؛ لأن الحسين لم يختر موقعه لكنه اختار أن يستحقه، ولأن فيه من أحلامنا ما يكفي لأن نراهن عليه، لا اليوم فقط ولكن كلما ضاقت المسارات واتسعت الحاجة إلى المعنى.