facebook
twitter
Youtube
Ammon on Apple Store
Ammon on Play Store
مواعيد الطيران
مواعيد الصلاة
rss
  • اخر التحديثات
  • الأكثر مشاهدة




إسرائيل وإيران: خوف أم صراع وجود؟


د. محمود الشغنوبي
01-07-2025 01:35 AM

تظل إيران، ببرنامجها النووي المتنامي وسياساتها الإقليمية، الهاجس الأكبر للأمن القومي الإسرائيلي. فسؤال "هل تخاف إسرائيل إيران؟" ليس مجرد تساؤل عابر، بل هو تعبير عن جوهر صراع وجودي معقد، تتركز شرارته الأساسية حول ملف واحد: السلاح النووي. وتكمن المفارقة الصارخة في أن إسرائيل نفسها هي قوة نووية إقليمية (رغم سياسة "الغموض النووي" وعدم الإعلان الرسمي)، إلا أن هذا التفوق النووي هو بالضبط ما يجعلها تخشى وصول إيران إلى السلاح النووي أكثر من أي تهديد آخر.

يعود خوف إسرائيل العميق من إيران إلى جذور متشابكة. أولاً، هناك خطاب إيراني رسمي، خاصة في عهود سابقة، عبر بوضوح عن رغبة في "محو إسرائيل من الخريطة"، ووصفها بـ"الورم السرطاني". رغم تلطيف هذه اللهجة أحياناً، إلا أن هذا الإرث لا يزال يلوح في الأفق، مكوناً صورة ذهنية لدى الإسرائيليين عن نية إيرانية راسخة تهدف إلى القضاء على دولتهم. ثانياً، الدعم الإيراني الثابت والمكثف لحركات مثل حزب الله في لبنان وحماس في فلسطين، وهي حركات تخوض صراعاً مسلحاً ضد إسرائيل، يعزز الشعور بأن إيران ليست مجرد منافس جيوسياسي، بل هي راعٍ فاعل لأعداء إسرائيل المباشرين، مما يجعل التهديد ملموساً ويومياً.

لكن جوهر الخوف الإسرائيلي يتمركز في البرنامج النووي الإيراني. فامتلاك إيران للقنبلة النووية يعني، من وجهة النظر الإسرائيلية، تغييراً جذرياً وكارثياً في ميزان القوى الإقليمي. ستتحول إيران بين ليلة وضحاها إلى قوة إقليمية عظمى لا تُضاهى، قادرة على فرض إرادتها وتهديد إسرائيل بضربة مدمرة تمس وجودها ذاته. والأهم، أن هذا سيفسد جوهر نظرية الردع الإسرائيلية. فاستراتيجية الأمن الإسرائيلي تعتمد بشكل أساسي على التفوق العسكري الساحق، خاصة في المجال النووي الذي تمتلكه إسرائيل وتعتبره الضامن النهائي لبقائها. امتلاك إيران للسلاح النووي يسحب البساط من تحت هذه الاستراتيجية، ويفقد إسرائيل احتكارها النووي الفعلي في المنطقة، مما يضعف قدرتها على ردع خصومها التقليديين ويجعلها عرضة لابتزاز نووي. علاوة على ذلك، تعتقد إسرائيل أن السلاح النووي سيمنح النظام الإيراني "حصانة" تمكنه من تكثيف أنشطته الإقليمية، ودعم الميليشيات، واستهداف المصالح الإسرائيلية بجرأة أكبر، معتقداً أن الردع النووي سيحميه من أي رد إسرائيلي حاسم.

هناك شكوك إسرائيلية عميقة في النوايا الإيرانية، حتى في ظل الاتفاقيات الدولية مثل (JCPOA) عام 2015. ترى إسرائيل أن تاريخ إيران في إخفاء أجزاء من برنامجها النووي وعدم التعاون الكامل مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية يبرر هذه الشكوك. كما تعتبر أن الاتفاقيات المؤقتة لا تحل المشكلة الجوهرية؛ فهي تنتهي خلال سنوات محددة، ولا تتعامل مع برنامج الصواريخ الباليستية الإيرانية القادرة على حمل رؤوس نووية، ولا توقف دعم طهران للميليشيات، بل وقد تمنحها موارد مالية ضخمة عبر رفع العقوبات.

لذلك، تخوض إسرائيل "حرباً" شاملة ضد البرنامج النووي الإيراني على جبهات متعددة. فهي تلجأ إلى الضربات السرية، كالتخريب داخل المنشآت أو تصفية العلماء النوويين (في عمليات تنسبها إيران لإسرائيل). وتشن حملات دبلوماسية مكثفة للضغط على المجتمع الدولي، خاصة الولايات المتحدة، لفرض أقسى العقوبات والحفاظ عليها، ومحاولة عزل إيران. وتستعد عسكرياً على أعلى مستوى، بتطوير قدرات متقدمة في الجو والفضاء الإلكتروني والدفاعات، مصممة خصيصاً لمواجهة التهديد الإيراني وتدمير منشآته النووية إذا استدعت الضرورة، مع تعاون أمني وثيق مع دول عربية تشاطر القلق نفسه. كما تستخدم حروب الوكالة، كالضربات المستمرة في سوريا ضد أهداف إيرانية وميليشياتها.

الخلاصة أن إسرائيل، رغم كونها القوة النووية الوحيدة في المنطقة، تخاف إيران خوفاً وجودياً حقيقياً. هذا الخوف ليس ضعفاً، بل هو قوة دافعة لسياستها، نابع من خطاب إلغائي، ودعم مسلح لأعدائها، وخطر برنامج نووي يهدد بتقويض التفوق الردعي الذي ترتكز عليه بقاؤها. محاربة إسرائيل المستميتة للقنبلة الإيرانية هي محاولة للحفاظ على هذا التفوق النووي الإقليمي ومنع سيناريو الردع المتبادل الذي تراه نهاية لوجودها الآمن. هذا الصراع، المتجذر في التاريخ والأيديولوجيا والجغرافيا، حول القنبلة النووية تحديداً، يبقى الشعلة الأكثر إشعالاً للتوتر في الشرق الأوسط، وقادراً على إشعال حرب شاملة إن لم يُدار بحكمة بالغة من جميع الأطراف.

وسلامتكم..





  • لا يوجد تعليقات

تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة عمون الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة عمون الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم : *
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق : *
بقي لك 500 حرف
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :