حتى لا يكون الأردن بيئة طاردة للاستثمار
المحامي الدكتور هيثم عريفج
01-07-2025 12:00 PM
في الوقت الذي تتسابق فيه الدول لجذب الاستثمارات وخلق بيئة محفزة للأعمال، يواجه الأردن تحديًا حقيقيًا يتمثل في سمعته المتزايدة كـ"بيئة طاردة للاستثمار"، وهي سمعة تؤكدها قصص واقعية عن مستثمرين اضطروا إلى مغادرة البلاد نتيجة تعقيد الإجراءات، وارتفاع الضرائب والرسوم، وتفشي البيروقراطية، والمحسوبية، والفساد.
لقد شهدنا في السنوات الماضية خروج عدد من الاستثمارات الكبيرة من السوق الأردني، من بينها مصانع وشركات نقلت نشاطها إلى دول مجاورة حيث البيئة التشريعية أكثر مرونة، وتكاليف الإنتاج أقل، والأنظمة أكثر وضوحًا وعدالة. بعض المستثمرين غادروا وهم يشعرون بالإحباط، ليس فقط من السياسات الاقتصادية، بل من المعاملة التي طالتهم أثناء محاولتهم ممارسة أعمالهم، بدءًا من تعقيد الإجراءات، مرورًا بتأخر المعاملات، وانتهاءً بعدم وضوح المرجعيات الحكومية.
إذا أردنا أن نستعيد موقعنا كدولة جاذبة للاستثمار، فلا بد من خطوات جادة وعملية تبدأ بإعادة صياغة القوانين الاقتصادية والتجارية بما يحفز الاستثمار المحلي والأجنبي. المطلوب قوانين واضحة، مستقرة، ومحفزة، تتضمن خفضًا حقيقيًا للضرائب والرسوم، وتمنح حوافز وإعفاءات خاصة للمشاريع الإنتاجية والاستراتيجية.
لكن القوانين وحدها لا تكفي، فالمشكلة الحقيقية تكمن في التطبيق. من الضروري مراقبة تنفيذ التشريعات، وضمان عدم وجود فجوة بين القانون والممارسة. يجب مكافحة الرشوة والمحسوبية بصرامة، والعمل على حماية المستثمر من أي ابتزاز أو مضايقة، وتمكين المستثمر المحلي أولاً، فهو بوابة جذب المستثمر الأجنبي، وهو الأقدر على نقل صورة إيجابية عن البيئة الاستثمارية في بلده.
كذلك، يجب تسهيل الإجراءات الإدارية، من التسجيل وحتى التشغيل، مع احترام كرامة المستثمر وتقدير وقته وجهده وماله. إن احترام الإنسان جزء لا يتجزأ من جذب الاستثمار.
ومن الحوافز التي يمكن طرحها بجرأة: تخصيص قطع أراضٍ مجانًا للمشاريع الإنتاجية الكبرى، وتقديم الكهرباء بأسعار مدعومة أو مجانية خلال السنوات الأولى، بشرط الالتزام بتوظيف نسبة من العمالة الأردنية وتدريبها، مما يعزز القيمة المضافة محليًا.
الاستثمار ليس مجرد رقم في الميزانية أو شعار في المؤتمرات، بل هو منظومة متكاملة تتطلب إرادة سياسية، وبيئة قانونية، وبنية إدارية، وثقافة وطنية تؤمن أن ازدهار المستثمر جزء لا يتجزأ من ازدهار الوطن. فلنعمل معًا، حتى لا يكون الأردن بيئة طاردة، بل وطنًا جاذبًا يزدهر فيه الاستثمار وتزدهر معه فرص العمل والنمو.