حين تتحول التبرعات إلى مشروع سياسي تحت الطاولة
المحامي حسام حسين الخصاونة
15-07-2025 10:29 PM
ما كشفت عنه التحقيقات بشأن قيام جماعة الإخوان المنحلة بجمع أكثر من ثلاثين مليون دينار بطرق غير قانونية ليس مجرد مخالفة مالية بل هو تجاوز صريح لسيادة القانون واعتداء على هيبة الدولة، فالجماعة التي صدر بحقها حكم قضائي بالحل لم تعد تملك أي شرعية تنظيمية أو قانونية ومع ذلك استمرت في العمل من خلف الستار عبر واجهات وتجمعات وأذرع مالية تدعي العمل الخيري بينما توجه المال لخدمة مصالح سياسية ضيقة.
الخطورة لا تكمن فقط في جمع المال بل في المنهجية التي استُخدمت في استغلال مشاعر الناس والتلاعب بالوجدان الوطني وتحويل قضايا الأمة وعلى رأسها العدوان على غزة إلى باب لجمع التبرعات التي لم تذهب لمستحقيها، بل تم ضخّها في حملات انتخابية وأعمال حزبية وإنشاء شبكة نفوذ تابعة للتنظيم المنحل دون رقابة أو شفافية.
الأموال التي جُمعت تحت شعارات مثل نصرة غزة والإغاثة والكرامة لم تُسلم للدولة أو للهيئات الشرعية بل خُزنت وخُفيت وأُنفقت في مشاريع تخدم من هم في قمة التنظيم وفي أذرعه السياسية التي تسترت خلف صور وطنية وإنسانية وهي في الحقيقة تسعى لبناء مكاسب حزبية على حساب دم الناس وثقة الأردنيين.
المؤسف أن بعض هؤلاء الذين استفادوا من هذه الأموال ما زالوا يتصدرون المشهد ويتحدثون باسم الإصلاح وهم يعرفون تمامًا كيف جاءت تلك الأموال وإلى أين ذهبت ومن دفع ومن قبض ومن أنفق وبدلًا من أن يظهروا الحقيقة يواصلون الصمت أو الالتفاف عليها تحت مسميات عامة وشعارات لا تصمد أمام الواقع.
إذا كان فيهم من يدّعي النزاهة فليخرج الآن ويتحدث بوضوح وليقل الحقيقة كما هي وليكاشف الرأي العام بما يعرفه وإذا كان بريئًا فليبرئ نفسه وإذا كان متورطًا فليتحمل مسؤوليته، فالأموال التي جُمعت باسم الشعب يجب أن تعود للشعب ولا يجوز أن تُستخدم لتلميع أسماء أو تقوية نفوذ أو التسلل مجددًا إلى مواقع التأثير باسم الدين أو القضية.
ما جرى لا يجب أن يُغتفر ولا يُسكَت عنه والمطلوب الآن ليس فقط محاسبة من نظّم وموّل بل مساءلة من استفاد وصمت وشارك وساهم بصمته أو سكوت ضميره فالمعركة الآن ليست ضد حزب أو جماعة فقط بل ضد نهج كامل يستغل الأزمات والمواقف النبيلة لصناعة أدوات نفوذ غير شرعي تهدد تماسك الدولة وتضلل الناس وتشتري الولاءات باسم الله وباسم الوطن.