في قاموس الشعوب الحيّة.. هناك مفردات تصنع الفرق.. وتغيّر المعادلة.. "نتمنى" هي بداية الحلم.. "سوف" هي فسحة للهرب من المواجهة.. أما "نسعى".. فهي لحظة القرار التي يتحول فيها الحلم إلى مشروع.. والمشروع إلى إنجاز.. والإنجاز إلى وطنٍ يستحق أن يُفخر به..

أن تتمنى.. يعني أنك ترى ما تريد.. دون أن تلمسه.. وأن تقول سوف.. يعني أنك تؤجل المواجهة مع الواقع.. لكن أن تسعى.. فذلك يعني أنك قررت مواجهة التحدي.. ووقّعت عقداً مع الزمن.. بأن لا عودة إلى الوراء..

رأيتُ تقريراً عن دولة عربية.. كان حديثه كالصفعة.. لا لأنه يتحدث عن دولة بعيدة عنا.. بل لأنه يُذكّرنا بما نحن عليه.. دولة لم تكتفِ بالتمنّي.. ولا أدمنت التسويف.. بل قررت أن تسعى.. سعياً حقيقياً.. لا لغوياً..

رؤية وضعتها.. ورؤية نفذتها.. لم تتحدث عن دعم القطاع الخاص.. بل بدأت بخطوات عملية رفعت مساهمته في الناتج المحلي.. وستصل إلى 65% خلال خمس سنوات فقط.. لم ترفع شعارات عن الخدمات اللوجستية.. بل أصبح القطاع الخاص ينفذ مشاريع على ارض الواقع.. لكي تصبح في مصاف أفضل عشر دول في هذا المجال عالمياً.. خلال خمس سنوات..

كل القطاعات هناك تسير بتناغم عجيب.. كأنها أوركسترا.. لا تعزف إلا لحن المستقبل.. القطاع المصرفي يقفز قفزات لا تُخطئها العين.. الاستثمارات لم تعد قصصاً على الورق.. ولقاءاتٍ على الشاشات.. بل مشاهد حقيقية على الأرض.. البطالة تنخفض.. ومع ذلك.. لا زالوا يبحثون عن العمالة الماهرة من الخارج.. لان السوق يستوعب.. والتعليم أصبح مُعلماً.. لا مَعلَماً فقط.. القطاع الصحي ينافس الكبار.. والبنية التحتية لم تكتفِ بترقيع القديم.. بل أسّست لجديدٍ يُبهر.. أما التشريعات.. فقد نُسفت وأعيد بناؤها.. لتخدم الرؤية.. لا لتعطلها..

هنا.. لا صوت يعلو فوق صوت السعي.. ولا قطاع يغني خارج السرب.. كلّهم في انسجام دقيق.. كأن الدولة قررت.. أن تمشي بخطى واحدة.. نحو هدف واحد.. بروح واحدة..

فيا حكومتنا.. كم من مرّة قلتم سوف؟!.. وكم من مرّة تمنّيتم أن نصبح مثلهم؟!.. أما آن الأوان أن نسعى؟!.. سعياً حقيقياً.. لا وهمياً.. أن نؤمن.. أن الرؤية لا تُصنع في نشرات الأخبار.. بل في دفاتر التنفيذ.. أن التنمية لا تأتي بقرارات فوقية فقط.. بل بانسجام القطاعات.. وصدق النوايا.. وشجاعة الفعل..

نحن نملك من الإمكانيات ما يجعلنا نُدهش العالم.. لكننا نُهدرها كلّما قيل "سوف".. وكلّما اكتفينا بـِ "نتمنى"..

نحن لا نطلب معجزة.. بل خطة.. لا نطلب مستحيلاً.. بل إرادة.. نريد حكومةً تسعى.. وسنسير معها.. أما حكومات الامنيات.. فقد شبعنا منها.. حدّ الغصّة..