facebook
twitter
Youtube
Ammon on Apple Store
Ammon on Play Store
مواعيد الطيران
مواعيد الصلاة
rss
  • اخر التحديثات
  • الأكثر مشاهدة




لم يَخُنّي أكثر منها .. فأبكتني ..


محمود الدباس - أبو الليث
03-07-2025 07:12 PM

سبعة أعوام مرّت.. لكنها مرّت كما تمُر الأعمار الثقيلة.. لا كما تمُر الأيام..

سبعة أعوام مرّت عليها.. ظننتُ أنها ستبقى تشبهني.. فإذا بي أشيخ قبلها.. وتتركني غريباً عنها.. وغريباً عني..

في ذلك الوقت.. ظهرتُ على بعض المواقع الإخبارية بصورة لم أختر فيها.. إلا أن أكون كما أرادت والدتي -رحمها الله- هدّبت شماغي الأحمر الأخير بيدها المُتعبَة.. وهي على سريرها تصارع المرض.. ووضَعَته على كتفيّ.. كما كانت تفعل في صغري وشبابي.. كلما هدبت لي شماغاً جديد.. الصورة كانت نقية.. لا شائبة فيها.. لا تعب.. ولا شيب.. ولا حتى تجاعيد..

ولأنني رأيت فيها نفسي كما أحب.. جعلتها صورتي الرسمية.. بل جعلها كثير من الناس هويّتي.. التي يعرفونني بها.. فأصبح الشماغ علماً.. والصورة رمزاً لي.. بل إنها التصقت بمقالاتي.. أكثر مما التصقتُ أنا بها..

واليوم.. نظرت إليها.. فابتعدت.. ليس لأنني لم أحبها.. بل لأنني لم أعد أجدني فيها.. شعري أبيض.. ووجهي بات خرائط تعب.. وركبتي لا تسعفني لأتوضأ كما كنت.. وسجادتي هجرتني.. فصادَقتُ الكرسي في فروضي.. وصوتي الذي كان يعلو في القاعات والمؤتمرات.. صار أحياناً لا يتجاوز صدري.. وصرت غريباً عن نفسي في تلك الصورة.. حتى أنني بالكاد عرفتني..

حتى الناس من حولي.. كثير منهم إن التقيتهم.. رمقوني بنظرة المتردد.. ثم تنطلق الجملة المكرورة "أنا شايفك.. بس وين؟!".. وبعضهم يسألني "اشتغلنا سوا بمكان سابقاً.. أنا مشبّه عليك؟!".. ولا يعرفونني.. إلا إذا قلت "أنا محمود الدباس.. أبو الليث"..

كبرت.. نعم كبرت.. ولا أخجل من قولي هذا.. لكنني كبرت في غير الجسد فقط.. كبرت في المحن.. في الغياب.. في الخسارات التي لا تُقاس بالمال..

فقدت والدتي.. ووالله ما فقدت بعدها شيئاً أشد من ذلك.. كانت باباً من أبواب الجنة.. وأُغلق.. وفقدت أحباباً كثر في زمن الكورونا.. ورأيت من الحياة ألوانها القاتمة.. لا الفاقعة فقط..

سألني أحدهم ذات مرة على إحدى الفضائيات.. بعد فشلي في مشروعين كبيرين.. كم خسرت؟!.. أجبته بحرقة وألم.. لم أخسر شيء -والحمد لله- سوى.. عشرين عاماً من عمري.. لا مال.. بل وقت.. جهد.. انتظار.. سهر.. شغف.. وأمل.. ومع ذلك.. خرجت بلا أمراض مزمنة.. وقلبي راضٍ بما كتب الله..

والأصعب من هذا كله.. أن ترى مَن كنت تظنهم رفقاء الدرب.. لا يتحولون إلى غُرباء فحسب.. بل الى مناصبي عداء.. ومتصيدي هفوات.. فقط لأنك لا تجيد المجاملة والتملق.. ولأنك تقول الحقيقة كما هي.. دون تزييف.. لا تكتب شعراً حماسياً في مصيبة وخذلان.. ولا هجاءً مفتعلاً في اجتهادٍ ومثابرةٍ ونجاحات..

أرهقني هذا الموقف.. أكثر من كل شيء.. أن تكون وحيداً في قولك.. لا لأنك وحدك على حق.. بل لأن غيرك ممن لا يشبهك.. لا يريد أن يسمع الحق.. حتى وانت تريه الدليل.. ويريد ان يبقى رهين الاماني..

واليوم.. بعد كل هذا.. سأعيش صورتي الجديدة.. بواقعي.. بجسدي المتعب.. وفكري الذي أنهكه الزمن والاحداث.. لكن مبادئي.. ما زالت كما هي.. لا تضعف.. لا ولن تتلون.. لا تُباع على الأرصفة.. ولا تُزال بحبات المطر.. ولا تتبدل حسب المصالح..

شكراً لموقع عمون.. لأنهم نشروا صورتي الجديدة.. دون فلتر.. دون تلميع.. تماماً كما أنا.. وهذا ما عاهدت نفسي عليه.. أن أكون أنا.. لا ما يريدونني أن أكون..

فمن يعرفني بصورتي.. لم يعرفني حقاً.. ومَن عرفني بمواقفي.. لن يخطئني مهما تقدمت بي السنون.. ومهما قيل له في ظهري من أناس لا يعرفونني حق المعرفة..

كبرتُ نعم.. لكنني لم ولن أتغير.. وما زلت.. وسأبقى أكتب بمدادٍ من ضميرٍ لا يجامل..





  • لا يوجد تعليقات

تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة عمون الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة عمون الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم : *
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق : *
بقي لك 500 حرف
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :