قانون حبس المدين والتوازن بين حماية الدائن وصيانة كرامة المدين
د. بركات النمر العبادي
08-07-2025 10:35 AM
إلغاء حبس المدين خطوة قانونية واجتماعية ذات أبعاد معقدة، لا يمكن النظر إليها بمعزل عن إصلاحات شاملة في البنية التشريعية والاقتصادية والاجتماعية، والتحدي الأكبر يكمن في إيجاد التوازن بين حماية حقوق الدائن، وصيانة كرامة المدين، ضمن منظومة عدالة تضمن الإنصاف والاستقرار المجتمعي، وفي هذا السياق، فان إلغاء حبس المدين – أو تقليصه بشكل كبير، يشكل مخاطر جدّية إذا لم يُرافق بإصلاحات شاملة وهيكلية، أبرزها:
1. ضعف الثقة بالائتمان والتعاملات المالية: أثر مباشر على الدائنين: غياب وسيلة الضغط المتمثلة بالحجز أو الحبس يجعل بعض الدائنين – خاصة الأفراد أو الشركات الصغيرة – يحجمون عن البيع الآجل أو تقديم قروض، مما يُضعف السيولة في السوق - تقييد حركة الائتمان التجاري : سيؤدي الإلغاء إلى تراجع التعاملات الائتمانية، خصوصًا في قطاعات مثل تجارة الجملة والتجزئة.
2. زيادة ظاهرة "التهرب من السداد": - بعض المدينين قد يستغلون القانون كذريعة للتهرب أو المماطلة، خاصة في غياب أدوات رقابية وتنفيذية صارمة - هذا قد يؤدي إلى ارتفاع النزاعات القانونية ، ويُرهق الجهاز القضائي.
٣. الضغط على القضاء والتنفيذ: زيادة القضايا المدنية والتنفيذية بسبب ضعف التحصيل الطوعي - غياب الردع القانوني قد يُبطئ تسوية النزاعات المالية.
٤ . تهديدالاستقرار الاجتماعي والاقتصادي للمجتمع المحلي: الدائنون الصغار، كأصحاب المحلات والمزارعين وموردي الخدمات، سيتضررون بشكل مباشر، مما قد يؤدي إلى تآكل رأس المال الاجتماعي وتفشي حالات الفقر - تراكم الديون غير المحصلة يُضعف النشاط الاقتصادي العام.
٥. غياب البدائل المؤسسية الفعالة: الأردن حتى اللحظة لا يمتلك بنية قوية لتفعيل قوانين مثل الإعسار المدني أو التسويات المالية المنظمة، مما يجعل إلغاء الحبس دون بديل فعلي خطوة محفوفة بالمخاطر.
٦ . فقدان الردع العام والعدالة الجزئية: الدائن يشعر بالظلم، والمدين الذي يماطل يشعر بالراحة من العقوبة.يُمكن أن يُفهم القانون على أنه حماية للمتهربين، لا للمتعثرين الحقيقيين.
هذا و إذا لم ترافق إلغاء حبس المدين إجراءات متكاملة تشمل إصلاح قانون الإعسار، وإطلاق آليات تسوية مالية مرنة ، وتعزيز الثقافة المالية للمواطنين ، فإن القانون قد يؤدي إلى هزة في منظومة الائتمان الوطني، وتفكيك الثقة بين مكونات المجتمع الاقتصادي.
وفيما يلي مجموعة من المقترحات العملية المستقاه من اهل الخبرة القانونية و الاقتصادية و المالية التي يمكن أن تُقلل من مخاطر إلغاء حبس المدين في الأردن، وتُسهم في بناء منظومة متوازنة تحفظ حقوق الدائن وتحمي كرامة المدين:
أولًا: تطوير بدائل قانونية فعالة
1. تفعيل قانون الإعسار المدني:
o توسيع نطاقه ليشمل الأفراد وليس فقط الشركات.
o تبسيط إجراءات التقديم للإعسار وتقليل الكلف القانونية ، حتى يكون خيارًا حقيقيًا للمتعثرين.
o توفير حماية مؤقتة للمدين من الدائنين خلال فترة إعادة الهيكلة.
2. إنشاء دوائر تسوية مالية ضمن المحاكم:
o تكون مختصة بإيجاد حلول بديلة قبل صدور أحكام قضائية.
o تشمل وساطة قانونية ومراجعة الأوضاع المالية للطرفين.
3. إصدار تشريع خاص بـ"الصلح الواقي من الإفلاس للأفراد":
o على غرار ما هو مطبق في بعض الدول العربية.
o يتيح جدولة الديون مع حماية قانونية من الملاحقة.
ثانيًا: إجراءات اقتصادية داعمة
1. إطلاق صندوق وطني لدعم المتعثرين الجادين:
o يُموّل جزئيًا من الدولة وجزئيًا من البنوك والجهات المانحة.
o يشترط إثبات العجز المالي الحقيقي، لا التهرب.
2. تعزيز التعليم المالي والوعي بحقوق الائتمان:
o حملات وطنية للتوعية حول أهمية الالتزام المالي وآثار التخلّف عن السداد.
o تضمين الثقافة المالية في المناهج المدرسية والجامعية.
3. تمكين المرأة والشباب اقتصاديًا:
o باعتبارهم الفئة الأكثر تضررًا من الديون، خاصة في مشاريع التمويل الصغير
ثالثًا: ضبط عمليات الإقراض والبيع بالتقسيط
1. تشديد الرقابة على الجهات المانحة للقروض:
o منع الممارسات الاستغلالية من شركات التمويل والمقرضين الأفراد.
o إلزام هذه الجهات بدراسة جدوى القروض وقدرة السداد قبل التوقيع.
2. فرض حد أقصى لفوائد التأخير والرسوم الجزائية:
o لمنع تضخم المبالغ المستحقة بشكل مبالغ فيه.
3. تسجيل جميع العقود ذات الطابع المالي:
o لضمان الشفافية والحد من النزاعات الناتجة عن اتفاقيات شفهية أو غير موثقة.
رابعًا: تعزيز دور الدولة كمُنظّم ووسيط
1. تشكيل لجنة وطنية دائمة لمراقبة آثار تطبيق القانون:
o تضم ممثلين من القضاء، ووزارات المالية والعدل، والبنك المركزي، وجمعيات حماية المستهلك.
2. إجراء مراجعة دورية لتعديلات القانون حسب المعطيات الواقعية:
o وتعديل أي ثغرات تظهر بعد التطبيق العملي.
وخلاصة القول ان إلغاء حبس المدين يجب ألا يكون قرارًا قانونيًا معزولًا، بل جزءًا من منظومة إصلاح متكاملة تشمل التشريع، والتثقيف، والتمكين، والتنظيم المالي فبهذه الطريقة يمكن تحويل التحدي إلى فرصة لبناء اقتصاد اجتماعي أكثر عدالة واستقرارًا.
حمى اللة الاردن و سدد على طريق الحق خطى قيادته وشعبه .