ورقة الحزب الديمقراطي حول التعرفة الجمركية الجديدة تكسر الصمت
المحامي الدكتور هيثم عريفج
08-07-2025 07:25 PM
في خطوة تعبّر عن نهج سياسي برامجي وتحليلي جاد، أصدر الحزب الديمقراطي الاجتماعي الأردني ورقة رأي تناول فيها بالتحليل والتمحيص القرار الحكومي المتعلّق بتعديل التعرفة الجمركية والضريبة الخاصة على المركبات، والذي صدر في حزيران 2025 تحت شعار "هيكلة عادلة وشفافة للمنظومة الجمركية".
ورقة الحزب لم تكتفِ بمجرد انتقاد القرار، بل قدّمت قراءة معمقة تكشف عن خلل في البنية الفلسفية للسياسات الجمركية في الأردن، حيث وصفت الورقة القرار بأنه "بحاجة إلى إطار فلسفي ضريبي متكامل"، معتبرة أنه يكرّس سياسات قطاعية متفرقة وغير مترابطة، تُضعف من فعالية السياسة الاقتصادية وتُعمّق فجوة الثقة بين الدولة والمواطن.
رأى الحزب أن هذا القرار، ورغم كونه لحظة محورية في العلاقة بين الدولة والمواطن، لا يرقى إلى مستوى الإصلاح الحقيقي، إذ يعاني من اختلالات تمسّ جوهر العدالة الاجتماعية. وأكد أن أي إصلاح جاد لا يمكن أن يتم دون رؤية شاملة تراعي واقع الفئات العاملة والمتوسطة، وتضمن توزيعًا عادلًا للأعباء والمنافع.
وقد دعا الحزب إلى مراجعة القرار ضمن رؤية اقتصادية اجتماعية، تستند إلى إعادة الاعتبار للطبقات المنتجة، وترتكز على مبادئ المواطنة وتكافؤ الفرص وسيادة القانون، بما يعزز الحق في التنقل الكريم، ويعيد بناء الثقة بسياسات الدولة.
اللافت في هذه الورقة هو أنها تؤكد على نهج مختلف ومسؤول في مقاربة التحديات الوطنية، خاصة تلك التي تمس جيب المواطن. فقد تعامل الحزب مع القرار بشفافية وحزم وسرعة وفعالية، دون الوقوع في فخ الشعبويات أو محاولات الاسترضاء الخطابي.
الحزب لم يطرح مجرد اعتراض، بل قدم تحليلًا دقيقًا وواقعيًا منسجمًا مع رؤيته المستندة إلى اقتصاد السوق الاجتماعي، وهو الإطار الذي يوازن بين كفاءة السوق وضرورات العدالة الاجتماعية وسيادة القانون.
يمكن قراءة هذه الورقة أيضًا على أنها إشارة البدء لمرحلة حزبية جديدة، يقودها الحزب الديمقراطي الاجتماعي، الذي يقف وحيدًا في مساحة يسار الوسط غير الممثلة في البرلمان الحالي. من خلال هذه الورقة، يضع الحزب معيارًا جديدًا للعمل السياسي البرامجي الجاد، ما يدفع بقية الأحزاب إلى إعادة النظر في أدوارها وطريقة تفاعلها مع القضايا العامة.
نحن اليوم في منتصف المرحلة الثانية من مشروع التحديث السياسي والتحديث الاقتصادي في الأردن، وهي مرحلة تتطلب من الأحزاب تجاوز الدور التقليدي كمراقب أو تابع، والتقدّم إلى واجهة الفعل السياسي المبادر. الورقة الصادرة عن الحزب الديمقراطي الاجتماعي تعبّر بوضوح عن قدرة هذا الحزب على صياغة رأي مستقل وموضوعي، ينطلق من رؤية فكرية وحزبية ناضجة، لا من تعليمات فوقية أو مصالح آنية.
بهذه الورقة، لا يقدّم الحزب مجرد موقف سياسي، بل يرسي نموذجًا متقدمًا لدور الأحزاب في الرقابة على السياسات العامة وتقييمها والمساهمة في تعديل مساراتها. إنها دعوة لتحويل العمل الحزبي من موقع المتلقّي إلى موقع الشريك في صنع القرار، بما يعيد تعريف العلاقة بين الدولة والمواطن على أساس العدالة والكرامة وسيادة القانون