ترفيع وإحالات إلى التقاعد .. تقدير لا يكتمل وفرحة تُكسر بقرار مفاجئ
السفير الدكتور موفق العجلوني
15-07-2025 09:31 AM
في يومٍ شهد قرارات حملت معها مشاعر مختلطة بين الفخر والحزن، صدرت الإرادة الملكية السامية بترفيع عدد من كبار ضباط الأمن العام، من بينهم العميد أنور الطراونة، والعميد علي الزعبي، والعميد حاتم العبادي، إلى رتبة لواء، وهو ترفيع مستحق يعكس الاعتراف الرسمي بعطائهم الطويل والمتميز. لكن ما لبث هذا التقدير أن تلاشى في عيون كثيرين حين اقترن بقرار مجلس الوزراء إحالتهم مباشرة إلى التقاعد، ما يفتح بابًا واسعًا للتساؤلات والانتقادات.
اللواء المتقاعد أنور الطراونة ودّع جهاز الأمن العام برسالة وطنية مؤثرة، قال فيها: "ها أنا اليوم أودع قلعة النبل والشهامة... أُغادره والقلب عامر بالامتنان لأناس صدقوا الأمانة لله، وللوطن، وللملك." وأضاف في كلمته الصادق: "إنني معاهدًا الله أن أبقى مخلصًا وفيًا، منكرًا لذاتي أمام الأردن العظيم وقيادته." وقد عبّرت كلماته عن مزيج من الفخر بالعطاء والأسى على نهاية الخدمة، مؤكدًا أن الوفاء للمؤسسة والوطن لا ينتهي عند التقاعد.
أما اللواء المتقاعد الدكتور علي الزعبي، فقد كتب رسالة وداعية لا تقل إحساسًا وعمقًا، جاء فيها: "ما بين التحية الأولى في ميدان الشرف، والوقفة الأخيرة في ختام الخدمة، عشت عمرًا كاملًا بين إخوة السلاح، رجال ما بدلوا ولا استكانوا، حملوا الوطن في قلوبهم وسهروا على أمانه بعينٍ لا تنام." وأشار الزعبي في رسالته إلى أن خدمته لم تكن مهنة بل رسالة، موجهًا شكره لجلالة الملك وولي عهده ولرفاق السلاح ولعائلته، الذين ساندوه في مسيرته الممتدة بالعطاء والانضباط.
غير أن هذه الرسائل، رغم ما فيها من روح انتماء ووفاء، تكشف في الوقت ذاته عن خلل في معادلة التقدير المؤسسي. فالترفيع، الذي يُفترض أن يكون ذروة تكريم للمسيرة المهنية، تحوّل إلى لحظة مختلطة بالمفارقة، حين جاء مقترنًا بالإحالة المباشرة إلى التقاعد، وكأنما تمّت مكافأة الإنجاز بإنهاء الخدمة، في وقتٍ لا تزال فيه هذه الكفاءات في قمة نضجها المهني وخبرتها المتراكمة.
وقد عشت هذه التجربة عندما ترفع اخي المحافظ احمد العجلوني وزملاء اخرين له في وزارة الداخلية الى درجة محافظ وهم يستقبلون المهنئين، فاذا باتصال هاتفي من عطوفة امين عام الداخلية ... (سامحه الله) في ذلك الوقت، تم احالتكم على التقاعد ...!!!
ومما لا شك فيه أن هذه الممارسات لا تقتصر على جهاز الأمن العام، بل تمتد إلى سفراء، ومحافظين، ومسؤولين مدنيين وعسكريين ومن الأجهزة الأمنية، أُحيلوا إلى التقاعد وهم في أوج عطائهم. مما يدعو للتساؤل المشروع: هل نُحسن إدارة مواردنا البشرية والكفاءات العليا في مؤسسات الدولة؟ وهل نمنح هذه الخبرات مساحات أخرى للعطاء بدل الإقصاء المبكر؟
من هنا، تبرز الحاجة المُلحة لإعادة النظر في مثل هذه القرارات. ففرحة الترفيع، مهما كانت رمزية ومهمة، تنكسر في نفوس أصحابها وعائلاتهم حين تقترن بإقصاء مفاجئ، خاصة إذا لم تُقدم له مبررات مهنية واضحة. وفي المقابل، يجب أن يُفكر صانعو القرار بكيفية الاستفادة من هذه القيادات خارج مواقعها التقليدية، سواء في مواقع استشارية داخل الدولة، أو في هيئات تدريبية، أو حتى في مؤسسات القطاع الخاص، حيث يمكن لخبراتهم أن تصنع فارقًا كبيرًا.
نحن لا ننتقد القرار بحد ذاته، بقدر ما ندعو إلى مراجعته بعين استراتيجية، تحترم التقاليد المؤسسية وتراعي التوازن بين تجديد الدماء والاحتفاظ بالكوادر المتميزة. فلا نهضة بدون كوادر، ولا استمرارية دون خبرات، ولا عدالة في التقدير إذا كانت نهايته المباشرة هي التقاعد.
في الختام، لا يسعنا إلا أن نُجِلّ كل من خدم هذا الوطن بإخلاص، وفي مقدمتهم اللواء أنور الطراونة، واللواء الدكتور علي الزعبي، واللواء حاتم العبادي، وزملاؤهم الذين شُرّفوا بالتقدير، وودّعوا الميدان مرفوعي الرأس. ونأمل أن تكون هذه اللحظة وقفة مراجعة حقيقية، نحو نهج أكثر استدامة في إدارة الكفاءات الوطنية.
ولا يسعني الا ان ابعث بتحية تقدير واجلال الى كافة منتسبي الأجهزة الأمنية، والقوات المسلحة، والمخابرات العامة، والساهرين على امن الوطن. حفظ الله الأردن واحة امن واستقرار بقيادة جلالة الملك عبد الله الثاني ابن الحسين وولي عهده الأمين سمو الامير الحسين حفظهم الله.
* مركز فرح الدولي للدراسات والأبحاث الاستراتيجية
muwaffaq@ajlouni.me