facebook
twitter
Youtube
Ammon on Apple Store
Ammon on Play Store
مواعيد الطيران
مواعيد الصلاة
rss
  • اخر التحديثات
  • الأكثر مشاهدة




الازدحامات المرورية: لا حلول دون اتباع الأدلة الهندسية ومعالجة الاختلالات 10


د. نضال القطامين
15-07-2025 01:57 PM

من عمان إلى إربد والزرقاء والمفرق والعقبة، نعيش يوميًا أزمة مرورية أصبحت جزءًا من حياة الناس، لكنها ليست قدرًا محتومًا ولا نتيجة طبيعية لازدياد عدد المركبات.

إنها انعكاس مباشر لفشل هندسي ورقابي، وغياب التخطيط الحضري المتكامل، وغياب المختصين الذين يديرون الحركة المرورية كما تفعل الدول المتقدمة، بالعلم لا بالفزعة، وبالهندسة لا بالعشوائية.

لو صعدنا بطائرة فوق عمان ساعة الذروة، لرأينا الصورة بوضوح: بضعة شوارع رئيسية تختنق حتى الاختناق، محاطة بعشرات الشوارع الفرعية الفارغة نسبيًا. شوارع باتجاهين كان يجب أن تكون باتجاه واحد، شوارع فرعية تصب تدفقها مباشرة في الشريانات الكبرى بلا ضبط أو إشراف، نهايات مفتوحة بلا معنى، مداخل ومخارج تزيد الضغط بدل أن تخففه، إشارات مرور بلا تزامن، وشرطة مرور مشكورة بجهدها لكنها تقف في قلب فراغ هندسي وإداري يعجز عن إدارة الواقع.

الحقيقة أن سعة الشوارع الأردنية تكفي فعليًا لاستيعاب عدد أكبر من المركبات لو أُديرت حركة المرور إدارة علمية. لا حل بلا بيانات. البداية تكون بتقسيم المدن إلى مربعات (Zones)، يوضع لكل منها توصيف دقيق لطبيعة الحركة داخله: حركة السائقين، حركة المشاة، حركة الركاب، الأنشطة الجاذبة للحركة، مدد الوقوف والتوقف، وأوقات الذروة. تُحلّل هذه البيانات لتُنظّم الحركة بين المربعات بزمنية محسوبة، فيُحدَّد أين نحتاج إشارات ضوئية أو تقاطعات مفتوحة، أين نقرر اتجاهات السير الموحدة، أين نغلق شوارع أو ننشئ دوارات، بحيث تترابط المربعات بشبكة واحدة تضمن الانسيابية لا الفوضى.

الأخطر أن كل هذه الحلول ليست غامضة ولا بحاجة لاختراع. كل شيء واضح ومدوّن ومتفَق عليه في الأدلة الهندسية العالمية المتعارف عليها، من دليل السعة المرورية الأمريكي إلى الدليل البريطاني، لكنها شبه غائبة في تطبيقاتنا، بسبب غياب المختصين وتجاهل هذه الأدلة تمامًا.

والأسوأ من ذلك غياب قاعدة بيانات مرورية وطنية بكافة أنواعها، تغطي المركبات والمشاة والحافلات والدراجات وتفاصيل أنماط الحركة وساعات الذروة ونقاط التداخل، ما يجعل أي حل غير علمي وغير فعّال.

ولا يقل أهمية عن ذلك غياب ما يمكن تسميته بنك عناصر الطريق، أي السجل الهندسي الموحد الذي يحدد ما يجب أن يتوفر لكل جزء من شبكة الطرق من إشارات وشواخص وعلامات وتقاطعات وأرصفة وإنارة وغيرها، لضمان اتساق المعايير في كل مكان بدل العشوائية التي نشهدها.

وهذا يُضاف إلى المشاكل الكبرى التي ناقشناها تفصيلًا في تسعة مقالات سابقة: غياب الأرصفة والممرات الآمنة، سوء تنفيذ التقاطعات، ضعف صيانة الطرق، عشوائية الشواخص والعلامات، انعدام إدارة المواقف، وسوء توزيع السرعات، وكلها اختلالات تحتاج حلولًا فورية لا تحتمل التأجيل.

غياب العدّ المروري والتحليل العلمي يكلفنا كثيرًا. عالميًا، تشير الدراسات إلى أن غياب بيانات الحركة يرفع معدلات الحوادث بنحو 30%، ويضاعف أزمنة الرحلات اليومية بنسبة تصل إلى 50%، ويهدر ما بين 3% و5% من الناتج المحلي الإجمالي بسبب التأخير، استهلاك الوقود، الأعطال، والحوادث الناتجة عن الفوضى. العدّ المروري ليس تفصيلًا تقنيًا ثانويًا، بل هو حجر الأساس لأي تخطيط ناجح، وينقسم إلى نوعين: عدّ المركبات بحسب النوع والسرعة والاتجاه وفترات الذروة، وعدّ المشاة بحسب أعدادهم وأنماط تحركهم ونقاط عبورهم.

الحلول ليست كلها مكلفة ولا بعيدة الأجل. هناك حلول فورية ذات نتائج سريعة وبتكلفة محدودة، مثل إعادة تنظيم اتجاهات السير، إغلاق النهايات المفتوحة عشوائيًا، ضبط المداخل والمخارج، وإعادة ترتيب أولويات التقاطعات. وهناك حلول متوسطة المدى لا تخفف الأزمة فقط، بل تخلق فرص عمل واسعة، مثل مشروع وطني للتعداد والتحليل المروري باستخدام كوادر محلية، تطوير إشارات ذكية ودوارات محسوبة، وبناء منظومة نقل عام حديثة تُشغّل فنيين ومهندسين ومراقبين.

لكن الدولة وحدها لا تستطيع تنفيذ هذه النقلة النوعية دون شراكات ذكية مع شركات تشغيل وهندسة مرورية عالمية، تجلب الأنظمة الحديثة، تُشغّلها بالشراكة مع الأردنيين، وتنقل المعرفة بعقود شفافة قائمة على الأداء، لا على المحسوبيات.

هذا ليس بيعًا ولا خصخصة عمياء، بل استثمار في إنقاذ الاقتصاد الوطني وصحة الناس ووقتهم وكرامتهم.

أزمة المرور في الأردن ليست أزمة إسفلت فقط، بل أزمة غياب منظومة شاملة من التخطيط إلى التنفيذ إلى الرقابة. قبل أن نحاسب السائق والمواطن، علينا أن نحاسب الطريق والهندسة والمؤسسات المسؤولة. قبل أن نرفع شعارات المدن الذكية، علينا أن نملك شجاعة البدء من أبسط الحلول، الآن، هنا، بلا تأجيل. لأن الخسارة الكبرى ليست فقط مالية، بل هي الخسارة اليومية في العمر والكرامة والصحة التي لا تعوضها أي وعود لاحقة. المطلوب أن نبدأ - فقط أن نبدأ….





  • لا يوجد تعليقات

تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة عمون الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة عمون الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم : *
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق : *
بقي لك 500 حرف
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :