facebook
twitter
Youtube
Ammon on Apple Store
Ammon on Play Store
مواعيد الطيران
مواعيد الصلاة
rss
  • اخر التحديثات
  • الأكثر مشاهدة




العدالة الاجتماعية ودور أحزاب يسار الوسط في الأردن


المحامي الدكتور هيثم عريفج
16-07-2025 12:23 PM

في ظل الأزمات الاقتصادية والتفاوت الاجتماعي المتنامي، تبرز العدالة الاجتماعية بوصفها حجر الزاوية في أي مشروع وطني يسعى لبناء دولة حديثة، قوية، ومتوازنة. لم تعد العدالة الاجتماعية مجرد مفهوم نظري يُتداول في أروقة الفكر السياسي، بل تحولت إلى مطلب شعبي، وشرط أساسي لاستقرار المجتمعات وازدهارها.

ما هي العدالة الاجتماعية؟

العدالة الاجتماعية لا تعني المساواة المطلقة، بل تعني الإنصاف؛ أن يُمنح كل فرد الفرصة التي يستحقها، وأن توفّر الدولة مقومات الحياة الكريمة للجميع، مع مراعاة الفروقات والاحتياجات الخاصة بكل فئة. إنها عدالة تكفل الحقوق، وتزيل العوائق البنيوية التي تمنع الأفراد من تحقيق ذواتهم، وتضمن ألا يكون الفقر أو الأصل العائلي أو النوع الاجتماعي عائقًا أمام الإنسان.

العدالة الاجتماعية تتحقق عندما يصبح التعليم متاحًا لجميع طبقات المجتمع بجودة موحدة، عندما تُقدَّم الرعاية الصحية على أساس الحاجة لا القدرة المالية، وعندما تُبنى سياسات التشغيل والضمان الاجتماعي لتخدم من يبحث عن حياة منتجة وآمنة.

العدالة الاجتماعية في السياق الأردني

يواجه الأردن اليوم تحديات معقدة تتمثل في البطالة المرتفعة، وتآكل الطبقة الوسطى، وضعف شبكات الحماية الاجتماعية، وتراجع جودة الخدمات العامة. هذه التحديات لا يمكن معالجتها بسياسات تجميلية أو شعارات استهلاكية، بل تتطلب رؤية شاملة تؤمن بأن العدالة الاجتماعية هي المدخل الرئيسي للحل.

ولأن العدالة الاجتماعية لا تنفصل عن السياسة، فإن الأحزاب الوطنية، وعلى رأسها أحزاب يسار الوسط، تتحمل مسؤولية مضاعفة في صياغة هذه الرؤية وترجمتها إلى برامج واقعية.

دور أحزاب يسار الوسط

أحزاب يسار الوسط هي بطبيعتها حركات سياسية تؤمن بدور الدولة في تحقيق التوازن الاجتماعي، وتعارض منطق السوق الحر المنفلت الذي يفاقم التفاوتات. وهي تدعو إلى إعادة توزيع الثروة، وتمكين الفئات المهمشة، وإرساء دولة الرفاه القادرة على حماية مواطنيها.

في الأردن، يمكن لأحزاب يسار الوسط أن تلعب دورًا محوريًا في:

صياغة سياسات تعليمية عادلة ترفع سوية المدارس الحكومية وتعيد الاعتبار للجامعة الرسمية.

طرح بدائل اقتصادية واقعية تعالج البطالة عبر تحفيز الاقتصاد الإنتاجي لا الريعي.

تعزيز نظام حماية اجتماعية متين يشمل العاملين في القطاع غير المنظم، والأمهات، وكبار السن.

مكافحة التفاوت المناطقي من خلال توزيع عادل للمشاريع والخدمات.

تمكين النساء والشباب سياسيًا واقتصاديًا، ليس كشعار بل كسياسات فعلية قائمة على الأرقام والاحتياجات.


لكن هذا الدور لن يتحقق إلا إذا خرجت هذه الأحزاب من عباءة النخب، واقتربت من نبض الشارع، وابتعدت عن الخطابات التقليدية الجامدة. المطلوب اليوم أحزاب تُنتج برامج بديلة، وتخوض المعركة السياسية على أساس قضايا الناس لا تحالفات المقاعد.

نحو عقد اجتماعي جديد

العدالة الاجتماعية لا تُبنى فقط من خلال سياسات حكومية أو تدخلات موسمية، بل تتطلب عقدًا اجتماعيًا جديدًا، يشارك فيه الجميع: الدولة، والأحزاب، والنقابات، والمجتمع المدني، وحتى القطاع الخاص. عقدٌ يضع الإنسان في مركز الاهتمام، ويعيد تعريف دور الدولة ليس كمراقب محايد، بل كضامن للحقوق.

إن غياب العدالة الاجتماعية يؤدي إلى فقدان الثقة، وتآكل الانتماء، وانتشار الشعور بالظلم والإقصاء. أما حضورها، فهو أساس الديمقراطية الفعلية، والمفتاح الأول لبناء وطن قوي لا يُقصي أحدًا، ولا يُبنى على حساب أحد.

خلاصة

العدالة الاجتماعية ليست رفاهية، بل ضرورة. وهي ليست شعارًا لحملات انتخابية، بل جوهر مشروع وطني شامل. وعلى أحزاب يسار الوسط في الأردن أن ترتقي إلى مستوى هذه المسؤولية، وتكون صوت الناس لا صدًى للسلطة، وأن تتحول إلى أدوات تغيير فعلي، تنقل العدالة من النصوص إلى الواقع.

إن تحقيق العدالة الاجتماعية هو السبيل الوحيد نحو أردن أكثر تماسكًا وإنصافًا. أردن يحتضن أبناءه جميعًا، ويضمن لهم كرامة العيش، وعدالة الفرص، وأمل المستقبل.





  • لا يوجد تعليقات

تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة عمون الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة عمون الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم : *
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق : *
بقي لك 500 حرف
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :