facebook
twitter
Youtube
Ammon on Apple Store
Ammon on Play Store
مواعيد الطيران
مواعيد الصلاة
rss
  • اخر التحديثات
  • الأكثر مشاهدة




التخطيط الحضري: علم غائب يقود مدن الأردن إلى الاختناق والفوضى والحل مقدور عليه! (11)…


د. نضال القطامين
16-07-2025 05:28 PM

على امتداد الأردن، من الطفيلة والكرك إلى السلط والزرقاء وعمّان، لا نعيش مجرد أزمة مرور عابرة ولا اكتظاظ شوارع بمركباتها ومستخدميها، بل نعيش أزمة أعمق بكثير: "غياب التخطيط الحضري" كعلم ومنهج وأداة.

مدنُنا تفتقر إلى العقل الهندسي الذي يصوغها ككائن حي متوازن، ويعيد توزيع أنشطتها ووظائفها ونبضها اليومي بعلم لا بعشوائية. فتركناها تنهش نفسها: أحياء تتداخل مع ورش صناعية، مدارس تفتح أبوابها على طرق مسرعة بلا ممرات آمنة، أراضٍ فارغة وسط مدن تختنق عطشًا للمواقف والخدمات، مراكز تجارية كبرى تفجّر الحاجة لتنقلات مرهقة، شبكات طرق متآكلة، انعدام للمناطق الخضراء، انعدام لأثاث الطرق، غياب للمشاريع الحيوية الترفيهية، غياب تام للقطاع الخاص في توفير الخدمات المرورية التشغيلية، وتخبط يربك الناس والاقتصاد.

كل هذا ليس صدفة ولا قدرًا، بل نتيجة غياب علم اسمه "هندسة التخطيط الحضري".

في الدول المتقدمة، لا تُترك المدن لنمو غريزي، بل تُقاد بعلم يُدرَّس، بكفاءات تُخرَّج، وبأدوات تُطبَّق: نظم معلومات جغرافية (GIS)، مسوحات الأصل والوجهة (O-D surveys)، نماذج المحاكاة المرورية، خطط استعمال الأراضي، استراتيجيات التنمية المستدامة، تحليل المشهد الحضري.

هذه العلوم تُدرَّس هناك ضمن بكالوريوس ودبلومات وماجستيرات ودكتوراه ودورات متخصصة للممارسين. أما نحن، فما زلنا ندير مدنًا معقدة بقرارات ارتجالية، بلا قاعدة بيانات، بلا مرجعيات علمية، ونكتفي بحلول ترقيعية تُفاقم الكارثة بدل حلها.

لكن الحلول ليست معقدة ولا مستحيلة وغير مكلفة إذا ما قورنت بكلفة الفوضى (على عجالة):
تزامنًا مع معالجة الاختلالات في واقع الطرق والتي ذكرت سابقًا في سلسلة المقالات، يجب:
١) نقل الكراجات والورش بعيدًا عن الشرايين الرئيسية.
٢) استغلال الأراضي الفارغة كمواقف ذكية ومساحات خدمية.
٣) السماح بأسواق ومولات صغيرة ضمن الأحياء لتقليل الحاجة للتنقل.
٤) زيادة الرقعة الخضراء، وهو هدف ممكن وفوري.
٥) خلق فصل حقيقي بين حركة المركبات وحركة المشاة.
٦) إعادة توزيع الأنشطة التجارية بذكاء بعيدًا عن الضغط المروري.
٧) دراسة كل مربع (zone) وتحليل حجم وتعداد الحركة فيه.
٨) التخطيط لشبكات خدمية وطرق متعددة المستويات حيث يلزم.
٩) إصلاح النقل الجماعي ليعمل بذكاء مع النقل الفردي والمشي والدراجات.
١٠) حماية المدارس والمرافق العامة بممرات ومهدئات مرورية.
١١) وضع كود حضري وطني ملزم يوحّد المعايير الهندسية والمعمارية ويكبح الاجتهادات العبثية.

لكن أصل الحل يبدأ من البشر: لا هندسة بلا كوادر متخصصة، ولا مساءلة بلا عقول مؤهلة.
نحتاج إدخال تخصصات التخطيط الحضري وهندسة النقل وهندسة المرور والسلامة المرورية إلى الجامعات الأردنية فورًا، ببرامج كاملة ومتكاملة، تدرّس فيها تخطيط استخدام الأراضي، النقل الحضري، نظم المعلومات الجغرافية، الإدارة البيئية، الاقتصاد الحضري، تحليل البيانات، وتصميم الفضاءات العامة. بالتوازي، نحتاج إطلاق برنامج وطني فوري لتدريب مهندسي وفنيي البلديات والوزارات المعنية، نبني به قاعدة بشرية قادرة على إدارة التحوّل بكفاءة ومهنية.

ولا ننسى: لا هندسة بلا بيانات.
نحتاج إلى قاعدة بيانات حضرية ومرورية مفصّلة لكل مربع (zone)، تُوضع في بنك معلومات وطني يشمل: كم يسكن في كل مربع؟ أين نذهب ومتى ولماذا؟ كم مركبة ومشاة وراكب على الطريق؟ أين النقاط السوداء ومصادر الخطر؟ ما حجم الطلب على النقل العام؟ ما كلفة الوقت الضائع؟ وما أنماط الحركة اليومية؟

هذه البيانات تُجمع وفق أدلة هندسية عالمية مثل: دليل السعة المرورية الأمريكي (HCM)، الدليل البريطاني (DMRB)، أدلة PIARC وEuroRAP، لتُترجم إلى خطط علمية قابلة للتطبيق، لا مجرد أوراق حبيسة الأدراج.

لقد كشفنا في مقالاتنا السابقة جراح الواقع: غياب الأرصفة والممرات، عشوائية السرعات، فوضى التقاطعات، غياب المواقف المنظمة، مظهر المطبات والحاويات والمناهل، تخبط النقل الفردي والجماعي. واليوم نقول بوضوح: حتى بأبسط الحلول، أي بداية علمية الآن قادرة على إحداث فارق فوري وبأقل التكاليف، شرط أن تبدأ بعلم لا بفزعة، بمنهج لا بردود أفعال.

هذا ليس ترفًا ولا تنظيرًا أكاديميًا ولا خطابًا نخبويًا. هذا ما كنا ندرّسه منذ أكثر من ربع قرن لطلبة الماجستير في هندسة الطرق والمرور! القضية هنا تمس قلب المجتمع: صحته، وقته، أمنه، اقتصاده، وكرامته.

الخطر لا يكمن في تكلفة الحل، بل في تكلفة استمرار العبث.
لا نحتاج معجزة ولا وصفات مستوردة، نحتاج فقط إلى قرار شجاع، واعتراف مهني بأن لدينا مشكلة قديمة لا يجوز تجميلها ولا تبريرها، وأن وقت التصحيح تأخر بما فيه الكفاية. المطلوب أن نبدأ - فقط أن نبدأ….





  • لا يوجد تعليقات

تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة عمون الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة عمون الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم : *
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق : *
بقي لك 500 حرف
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :