facebook
twitter
Youtube
Ammon on Apple Store
Ammon on Play Store
مواعيد الطيران
مواعيد الصلاة
rss
  • اخر التحديثات
  • الأكثر مشاهدة




الهيدروجين الأخضر تعليم وفرصة تعيد صياغة الإنسان


د. أميرة يوسف ظاهر
17-07-2025 12:30 AM

لم تعد الطاقة مجرد ملف بيئي يفتح في المؤتمرات ويغلق بتوصيات فضفاضة؛ ففي الجنوب الأردني ثمة شمس تشرق اليوم على خارطة جديدة، لا ترسم بأنابيب النفط ولكن بخطوات شاب لبث أمسه ينتظر وظيفة، واليوم يخطو ليدرب آخرين على تشغيل نظام تحكم ذكي في محطة للهيدروجين الأخضر.

فالأردن الذي طالما لبث في معادلات العجز والاعتماد، يخطو نحو صناعة الطاقة النظيفة كمن يصوغ استقلالا ثانيا، غير أن السؤال الأهم ليس فقط: كم سننتج من الهيدروجين؟ بل: من ينتجه؟ ومن يستفيد من هذا التحول؟

حين ننظر إلى أزمة البطالة المتفاقمة نجدها ليست في قلة الفرص فحسب، وإنما في هشاشة الجسور بين التعليم وسوق العمل، وبين التخصصات والمشاريع، وبين الشهادات والمهارات. ومشروع الهيدروجين الأخضر إذا أحسن إدماجه في السياسات الوطنية، يمكن أن يكون أكثر من مجرد مصدر للطاقة؛ إذ سيكون محركا لنموذج تعليمي واقتصادي واجتماعي جديد.

ماذا لو أصبحت مدارس الجنوب مختبرات للطاقة، ومراكز التدريب ممرات إلزامية قبل التوظيف، والجامعات منصات لصناعة حلول خضراء لا لتلقين نظريات خامدة. ماذا لو تحول الطالب في الطفيلة أو معان إلى باحث في الطاقة المتجددة، أو أن تنشأ تخصصات جديدة مثل “هندسة نظم الهيدروجين”، و”إدارة تحلية مستدامة”، و”ريادة طاقية مجتمعية”: هنا لا نتحدث عن تغيير في المحتوى التعليمي فقط، لكن في طرح فلسفة التعليم نفسها: أن نتعلم لننتج لا لننتظر التوظيف.

فالتحول لا يكون ببناء محطات فيلزمه تزامنا مع ذلك أن ننهج لبناء الإنسان الذي يديرها ويحميها ويطورها. فالشاب الذي اعتاد الوقوف على أبواب الشركات في عمان نريده أن يجد في مشروع الهيدروجين فرصة لا هجرة. والفتاة التي ترى التخصصات العلمية بعيدة عن واقعها عليها أن تلمس جدواها في سوق وظائف لم تكتب بعد.

الهيدروجين الأخضر ليس ترفا بيئيا لدول غنية؛ بل هو فرصة لبلدان مثل الأردن لتعيد تموضعها في سلاسل الاقتصاد العالمي، وإذا كانت أوروبا تبحث عن مصادر نظيفة فلن تجد مكانا أفضل من صحراء فيها شمس لا تغيب وطاقات بشرية تنتظر فقط من يؤمن بها.

ودون أن يربط هذا المشروع بخطة واضحة لتقليص الفقر سيبقى أخضرا على ورق؛ فالفقر لا يعالج بالمساعدات لكن بخلق الفرص. والفرص لا تخلق دون تعليم نوعي وتدريب تطبيقي وتوزيع عادل للاستثمار.

إننا نحتاج إلى ما هو أكثر من استراتيجيات، نحن نحتاج إلى حلم وطني جديد، لا يبني في المكاتب وإنما في العقول. ومشروع الهيدروجين الأخضر منصة لهذا الحلم لا بوصفه مشروع طاقة فحسب، وإنما باعتباره مشروع حضارة يعيد تعريف العلاقة بين الإنسان والطاقة، وبين الدولة والمواطن، وبين الفكرة والواقع.

ففي نهاية المطاف لن يقاس نجاح هذا المشروع فقط بكمية الهيدروجين المصدر، بل بعدد العقول التي أعيد تشكيلها، وبعدد البيوت التي خرجت من دائرة العوز، وبعدد الشباب الذين توقفوا عن انتظار الفرصة وبدؤوا في صناعتها.

فنحن نريد أن نعلّم أبناءنا: كيف يصنعون مستقبلهم من خلية شمس… أو قطرة ماء… أو ذرة هيدروجين.





  • لا يوجد تعليقات

تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة عمون الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة عمون الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم : *
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق : *
بقي لك 500 حرف
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :