إذا لم نُصدّق الوزير .. ولا نُصدّق التصنيفات .. فمن نُصدّق؟
محمود الدباس - أبو الليث
22-07-2025 10:06 AM
في الوقت الذي ما زالت فيه أصوات البعض تتردد في أروقة الجامعات.. باحثة عن شرف أكاديمي تم الطعن فيه.. يخرج إلينا خبر.. بأن عمّان تصدّرت المدن العربية.. والشرق أوسطية.. كأفضل مدينة طلابية في تصنيف كيو إس العالمي..
نبتسم أولاً.. وربما نُصفّق بخجل.. ثم نتذكّر تصريح وزير التعليم العالي قبل أسابيع.. حين اشار الى تحايل بعض الجامعات الأردنية -ومن ضمنها الجامعة الأردنية- بالجانب الأكاديمي.. وباللجوء إلى أساليب غير مهنية في الأبحاث والنشر العلمي.. وبعض التعيينات.. وتحسين السمعة.. بدفع الأموال.. أو هدرها للحصول على التصنيفات.. وهي أقرب ما تكون إلى مفهوم الرشوة الأكاديمية..
هنا.. نقف أمام مشهد سريالي.. كيف نُوفّق بين اتهام جامعاتنا بالممارسات الملتوية.. وبين تتويج عمّان -المدينة التي تحتضن العديد من الجامعات وخاصة الاردنية- كأفضل بيئة تعليمية في المنطقة؟!.. هل من المنطقي.. أن تشتري مدينة بأكملها تصنيفاً؟!.. أن تتواطأ مؤسساتها.. جامعاتها.. سكن الطلبة.. شبكة المواصلات.. الأمن.. الخدمات.. وحتى المقاهي الطلابية.. على تمرير رزمة من الدولارات تحت الطاولة؟!..
ما لا يدركه كثيرون.. أن تصنيف (QS Best Student Cities).. لا يُبنى على رأي وزير.. أو مدير.. ولا على مناورات جامعات فقط.. بل هو منظومة تقييم واسعة تشمل.. جودة الجامعات في المدينة.. عدد الطلبة الدوليين فيها وتنوعهم.. مؤشرات الأمان والاستقرار.. تكلفة المعيشة بالنسبة للطلبة.. توفر الوظائف والفرص بعد التخرج.. وجودة الحياة الطلابية بشكل عام..
وكل عنصر من هذه العناصر.. يتم قياسه بناء على بيانات وإحصاءات.. دولية ومحلية دقيقة.. ليس من السهل اللعب بها جميعاً.. إلا إذا افترضنا.. أن عمّان كلها.. تحوّلت إلى خلية تمويل سرّية.. لتضليل العالم الأكاديمي بأسره..
بلغة أخرى.. إذا كانت بعض الجامعات -إن صحّ كلام الوزير- قد بالغت في تسويق نفسها.. فهل تستطيع المدينة بكل مكوناتها.. أن تُقلّد ذلك الدور المشبوه؟!.. وهل يُعقل.. أن تكون دوريات الأمن.. ومالكي الشقق.. وسائقي التاكسي.. والمقاهي.. والمدارس الأجنبية.. وحتى مستوى التلوث.. قد اجتمعوا لدفع الإكرامية.. للجهة المانحة للتصنيف؟!..
ونكن عقلانيين.. فالمنطق يرفض ذلك.. وإن الأقرب للواقع.. أن التصنيف الأخير.. جاء نتيجة تراكم بيئة معقولة.. قابلة للحياة والدراسة.. ومقارنة بمدن المنطقة المشتعلة.. أو المتورمة بالشكليات.. فقد تكون عمّان فعلاً هي الأقل ضرراً.. والأكثر توازناً.. وهو إنجاز لا يلغي وجود الإشكاليات في بعض جامعاتنا.. ومؤسساتنا التعليمية.. وغير التعليمية.. لكنه أيضاً.. لا يصح أن يُنسف بمزاعم التحايل وحدها..
من حق الوزير.. أن يفضح أي تلاعب بالأرقام.. أو الأوراق.. لكن ليس من الحكمة.. أن يُشهر سيف الشك في كل ما يُنجز.. فالعقل لا يقبل.. أن نكون في الصباح متّهمين بالتزوير.. وفي المساء مكرّمين بالصدارة.. دون أن نشعر.. بأن في الأمر مبالغة ما.. إما في الاتهام.. أو في التصفيق..
ويبقى السؤال.. إذا كنا قد حصلنا على هذه المرتبة بالرشوة.. فلمن ندفع إن أردنا.. أن نصبح من بين أفضل عشر مدن تعليمية في العالم؟!..
فإن لم نُصدّق الوزير.. ولا نُصدّق التصنيفات.. فمن نُصدّق إذن؟!..
أم أن علينا أولاً.. أن نتفق مع الوزير ومن يشاطره الرأي.. حول مَن يملك الحقيقة.. وكيف نحكم بعدالة على الأمور؟!..