هنا الأردن .. ومجده مستمر
د. تمارا زريقات
24-07-2025 01:51 PM
في بيئة إقليمية مضطربة وسياقات دولية متغيرة، تتمايز الدول بقدرتها على الثبات والتكيّف دون أن تُفرّط في قيمها أو تُهدر مصالحها. والأردن اليوم يقدّم نموذجًا في الإدارة المتوازنة لأولوياته الوطنية، جامعًا بين الأداء الأخلاقي والفعالية السياسية. إن مجد الأردن لا يُقاس بشعاراتٍ آنية، بل بمنهجيته الثابتة في تحويل المبادئ إلى سياسات، والمواقف إلى أفعال، في تفاعل واعٍ مع محيطه، يقوم على مسؤوليته التاريخية كفاعل إقليمي عقلاني وموثوق.
هذا الوطن، الذي لا يملك فائضًا من الموارد، يفيض بالمروءة والاتزان ويتقدّم اليوم بحضوره الأخلاقي والسياسي والثقافي في آنٍ معًا؛ فبين محدودية الإمكانيات واتساع المسؤوليات، يختار الأردن أن يمارس دوره برشاقة الكبار دون ضجيج أو ادّعاء، فكره مشغول بالمنطقة وفعله مكرّس لخدمة الإنسان داخل حدوده وخارجها ضمن رؤية تعتبر أن الاستقرار لا يُبنى بالعزلة، بل بالمسؤولية والانخراط الفاعل في محيطه
وفي لحظة تختزل هذا النهج، يواصل الأردن أداءه الأخلاقي من خلال الهيئة الخيرية الأردنية الهاشمية التي تقود، وبتوجيه ملكي مباشر، عمليات الإغاثة المنظمة للأشقاء، فمن وسط الأزمة الإنسانية المتفاقمة، سُيّرت قوافل المساعدات الإنسانية إلى غزة لتعبّر عن إدراك الأردن العميق لدوره الإنساني ومسؤوليته الأخلاقية وتُرسّخ موقعه كفاعل موثوق وصاحب موقف ثابت
وفي السياق ذاته، سُيّرت مؤخرًا قافلة إغاثة جديدة إلى سوريا تجسيدًا لنهج الدولة في الوقوف إلى جانب الأشقاء في مختلف الأزمات، هذا الأداء لا ينبع من فائض إمكانيات بل من فائض التزام وفهم عميق لما تعنيه الدولة حين تختار أن تمارس دورها بمسؤولية واتزان
وفي الوقت الذي كانت فيه هذه القوافل الإنسانية تتحرّك عبر الحدود، كانت الدولة تتابع مسارات مصلحتها الوطنية الشاملة، ومن بينها انعقاد مهرجان جرش للثقافة والفنون الذي يُجسّد بعدًا تنمويًا وثقافيًا يعزّز الاقتصاد المحلي ويرسّخ الهوية الأردنية، ففي المنهج الأردني لا تُفصل الملفات عن بعضها بل تُدار بتكامل يُوازن بين الإغاثة والتنمية، وبين الالتزام الخارجي والتحصين الداخلي.
إن مهرجان جرش مشروع وطني تنموي مستدام يندرج ضمن رؤية الأردن في تطوير أدواته الناعمة، ويعكس موقع الثقافة في خطة التحديث الاقتصادي بوصفها أحد محركات النمو وتنويع الدخل، وتأتي هذه الفعالية كجزء من المسار الوطني الشامل للتحديث السياسي والاقتصادي والإداري الذي تتقدّم فيه الدولة بثبات نحو بناء منظومة متكاملة تستثمر في الإنسان والهوية والموارد.
اقتصاديًا، يُحرّك المهرجان قطاعات السياحة والنقل والخدمات والحرف، ويفتح فرصًا مباشرة وغير مباشرة للشباب وأصحاب المشاريع الصغيرة، سياحيًا، يُعيد تقديم الأردن كوجهة آمنة وحضارية قادرة على تنظيم فعاليات رفيعة المستوى، ثقافيًا، يُكرّس المهرجان حضور الفنان والمبدع الأردني على المنصات المحلية والعربية ويؤكد أن الثقافة ليست تكميلية بل رافعة للهوية الوطنية وأداة استقرار ناعمة.
إن استمرارية هذا المشروع ليست خيارًا بل ضرورة تنموية مرتبطة بالسياسات العامة للدولة، فالثقافة أداة إنتاج، والتنمية لا تُبنى على قطاع واحد بل على تنويع حقيقي لمصادر القوة الوطنية.
يمضي الأردن في مسارات متوازية تُوازن بين الاستجابة الإنسانية والالتزام التنموي، فلا تُفصل أولوياته عن بعضها، بل تُدار ضمن رؤية تكاملية تعكس نضج الدولة وقدرتها على صياغة سياساتها العامة وفق مصالحها الوطنية العليا؛ وفي هذا الاتساق ما بين الواجب والمسؤولية، تتجذّر صورة الأردن كدولة مبادرة وفاعلة، تُدير مواردها بإتقان، وتبني حضورها من منطلقات أخلاقية واقتصادية واستراتيجية.
وهكذا يستمر المجد الأردني، مشروعًا حيًّا يتجدّد بالفعل والتخطيط والوعي.