facebook
twitter
Youtube
Ammon on Apple Store
Ammon on Play Store
مواعيد الطيران
مواعيد الصلاة
rss
  • اخر التحديثات
  • الأكثر مشاهدة




الرقمنة والهوية .. جيل Z يعرف كل شيء إلا من هو


د. أميرة يوسف ظاهر
26-07-2025 11:24 AM

نشأ جيل Z في فضاء رقمي لا ينقطع اتصاله، يمسك العالم بين أصابعه عبر شاشة، ويستمد المعرفة من محركات البحث، ويشكل وعيه من خلال تدفق هائل من المحتوى والتفاعلات، فهو الجيل الرقمي الأصيل الأكثر مهارة في التعامل مع أدوات العصر، والأكثر وعيا بتفاصيل ذاته ومجتمعه، لكن سؤالا جوهريا يظل يلاحقه: ماذا يعرف أبناء هذا الجيل عن أنفسهم حقا؟ وماذا تبقى من معالم الهوية وسط هذا السيل الجارف من التعدد الرقمي والتبدل السريع في أنماط العيش والتفكير والانتماء؟

في قلب هذا التناقض يقف الجيل أمام مفترق تاريخي فريد لا هو قديم ولا هو حديث بالكامل، هو نتاج عالمين: تراث سابق لم يعد يلائمه تماما، ومستقبل رقمي سريع التغير لم يستقر بعد، إذ يعيش في منطقة رمادية ثقافية، يتقن لغة التقنية لكنه يعاني لإيجاد منصة حقيقية تصغي لصوته المختلف دون إخضاعه لقوالب الأمس، لقد أضحى الإدراك لا يعني الوضوح، والتمكن لا يعني الوصول. فهو يعرف كثيرا لكنه تائه: أين يوظف معرفته؟

لسنا أمام جيل ضائع أو متفلت كما يروج البعض، بل أمام تحول بنيوي عميق في طريقة تشكل الإنسان ذاته، فالأسرة لم تعد مركز التوجيه، والمدرسة لم تعد مركز المعنى، والمؤسسات الدينية والأخلاقية تخاطب جيلا لا يفهم لغتها ولا مرجعياتها، والنتيجة: فراغ تملؤه الشاشات بدل الحوار، ومفاهيم تروج لحرية بلا مسؤولية، واختزال للهوية في بصمة رقمية قابلة للاستهلاك والتعديل والتلاشي.

المشكلة ليست في جيل Z نفسه وإنما في فشل المؤسسات التقليدية في فهمه واحتوائه، هو يمتلك الأدوات لكنه يفتقر إلى الاعتراف، لا يحتاج إلى من يوجهه بالتلقين، بل إلى من يمنحه مساحة ليعبر عن صوته الحقيقي لا الرقمي فقط، هو جيل لا ينقصه الذكاء وإنما الثقة، ولا يفتقر إلى الوعي لكن إلى قيادة تتيح له المشاركة لا التلقي والمبادرة لا التبعية.

ولا بد من الإشارة إلى أن هذا الجيل ليس كتلة واحدة متجانسة، هو طيف واسع من التجارب والهويات المتعددة، يعيش صراعات يومية بين قيم أسرية تقليدية وحرية غير مشروطة على المنصات، وبين صورة رقمية مثالية تعرض وتعدل باستمرار، وبين ذات داخلية قلقة تبحث عن معناها الحقيقي، وهذا التعدد الصوتي في داخله لا يضعفه لكن يمنحه حساسية فائقة لارتباك العالم من حوله، ويجعله أكثر استعدادا لطرح الأسئلة الكبرى التي تجاهلتها الأجيال السابقة.

ولأن الحل لا يكمن في مقاومة التحول بل في فهمه، فإننا نحتاج إلى مراجعة شاملة تعيد بناء العلاقة مع هذا الجيل لا على أساس التوجيه بل الحوار والتشارك، فلا بد أن تتحول المدارس إلى مساحات تفكير نقدي تبني لا تحشو وتزرع الانتماء لا الطاعة، إذ لا بد أن تعود الأسرة لتصغي لا لتحذر فقط، وأن يتجدد الخطاب الديني ليجاور الشك ويحتضن الأسئلة بدل إخراسها. نحن بحاجة إلى محتوى رقمي هادف جذاب في وسائطه، عميق في معانيه يوازي إيقاع العصر دون أن يفقد البوصلة.

وكي نمنح هذا الجيل الاتجاه لا بد من تسليحه ببوصلة داخلية واعية تجعله يقرأ ما وراء الخوارزميات، ويميز بين هويته الرقمية وحقيقته البشرية، ويحول التقنية من إلهاء إلى تمكين؛ فليس المطلوب أن نبعده عن التكنولوجيا، بل أن نمنحه وعيا يجعلها أداة للمعرفة لا قيدا للاستهلاك أو تمثيلا زائفا للذات.

وختاما لعل الأهم من تقديم الأجوبة هو أن نشاركه الأسئلة، هذا الجيل لا يحتاج إلى من يشرح له الواقع وإنما إلى من يرافقه في تيهه، ويمنحه الثقة بأنه ليس وحيدا في هذا الالتباس، هو يعرف كل شيء لكنه يتوق لمعرفة من هو؟ وإن لم نستطع أن نمنحه الإجابة الكاملة، فلنكن على الأقل شركاءه في البحث.





  • لا يوجد تعليقات

تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة عمون الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة عمون الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم : *
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق : *
بقي لك 500 حرف
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :