في أزقة الذاكرة الشعبية.. لا تمر القضايا مرور الكرام.. فالمواطن وإن تم تنفيس غضبه بمنشور.. أو بمقال.. إلا أن جمر القضية.. يبقى متّقداً في داخله.. متى ما هبّت رياح الفرصة.. عاد إلى الاشتعال.. وكأن ما كُتب بالأمس.. لم يكن وسيلة تنفيس.. بل كان أول الطَرق على جدار الصمت..
تلجأ بعض الحكومات في بعض الدول.. إلى سياسة التطنيش.. لا ترد.. لا تعترف.. لا تعلّق.. كأنها تقول.. دعوهم يكتبون ويصرخون.. وسينسون مع الوقت.. فالشعوب قصيرة الذاكرة كما يظنون.. وكأنهم لا يعلمون.. أن الصمت عن الخطأ.. لا يمحوه.. بل يراكمه..
الخطير في هذه السياسة.. ليس في التجاهل ذاته.. بل في ما تزرعه من مشاعر مُحبطة.. تجعل المواطن.. يشعر أن صوته لا يُسمع.. وأن حبر المقال.. لا يتجاوز حدود الشاشة.. وأن التعبير.. لا قيمة له إن لم يحرّك ساكناً.. فيبدأ الناس يفقدون الإيمان بجدوى الكلمة.. وتلك بداية الانكسار..
وهناك من الحكومات.. مَن تلتقط الرسائل.. لكنها تُكابر.. تظن أن الأخذ بما يُكتب اعتراف بالخطأ.. وأن التجاوب تنازل.. في حين أن الشفافية والإنصات.. يزيدان من رصيدها.. لا يُنقصانه.. فالناس لا يطلبون المعجزات.. بل يريدون أن يشعروا.. أن الحكومة معهم.. ترى ما يرونه.. وتُصغي لما يعانونه..
لو صرّحت حكومة يوماً.. بأنها قرأت ما كُتب.. واستجابت لما طُرح.. لارتفعت في عيون الناس.. لا سقطت.. ولأيقن المواطن.. أن حكومته لا تُدير ظهرها له.. بل ترتّب الأولويات.. وتفتح الملفات الواحد تلو الآخر.. وحينها.. حتى لو لم تُنفذ كل المطالب.. سيبقى هناك أمل.. لا غضب..
أما أولئك الذين يكتبون بصدق.. الذين لا يبتغون شهرة ولا مكاسب.. بل يريدون الإصلاح والنهوض بالوطن.. فسيبقون كالنهر الجارف.. لا يردهم سدّ الصمت.. ولا توقفهم متاريس الإهمال.. لأن ضميرهم لا يُطمئنهم السكوت.. وهمّهم لا يُسكنه التجاهل..
وفي النهاية.. مَن يظن أن التطنيش سياسة ناجحة.. فليتذكر.. أن كرة الثلج تبدأ صغيرة.. لكن.. كل تجاهل يزيدها حجماً.. حتى لا تُحتمل..
صوت الناس ليس صدىً عابراً.. بل هو مؤشر حياة.. ومن يطفئه بيده.. قد يُفاجأ يوماً.. بعاصفة لا تُبقي ولا تذر..