الدبلوماسية البريطانية من وعد بلفور لاستحقاق أيلول
خلدون ذيب النعيمي
31-07-2025 01:39 AM
واجه اعلان الحكومة البريطانية عزمها الاعتراف بالدولة الفلسطينية في شهر ايلول القادم الكثير من الاهتمام من مختلف محافل التحليل السياسي والاعلامي والتي تناولته ونظرت اليه من زوايا مختلفة بالنظر للسيرة البريطانية في مسار القضية الفلسطينية واحداثها ، فما زالت الادبيات العربية تنظر لبريطانيا بانها بمثابة الاب الروحي لقيام دولة اسرائيل على الارض الفلسطينية من خلال وعدها البلفوري الشهير ولم تبخل لندن بالدعم العسكري والسياسي لإسرائيل بعد ذلك الوعد المشؤوم والذي وصل لشن حروب معها كما حدث في العدوان الثلاثي ضد مصر عام 1956 .
وعلى الرغم من ربط لندن الاعتراف بالدولة الفلسطينية بعدم اتخاذ اسرائيل خطوات لوقف ما اسمته بالمذبحة الجارية في غزة فأنه ينظر لهذه الخطوة بالمحاولة المتأخرة لحفظ ماء الوجه في ظل ما تواجهه النظم السياسية والاخلاقية الغربية من سقوط كبير وعدم مصداقية في ضوء دعمها الهائل لإسرائيل في عدوانها على مدنيي غزة ، ففضلاً عن الدعم السياسي من قبل مختلف اقطاب الحكومة البريطانية لإسرائيل بعد الذي جرى في السابع من اكتوبر بقيت الدعوات الخجولة من نفس هذه الاقطاب بالحفاظ على حياة المدنيين في عدوانها على مدنيي غزة طبعاً في ظل الايمان الكامل المعلن ضمنياً بأن هذا العدوان يأتي في نطاق الحق بالدفاع على النفس .
ويحسب هنا على الدبلوماسية الاردنية بقيادة جلالة الملك عبدالله الثاني خلال تواصلها مع مختلف دوائر صنع القرار الغربي ومن ضمنها البريطاني في العدوان الحالي على غزة تحذيرها الدائم ان هذا العدوان سيكون له نتائجه السلبية التي ستتجاوز غزة وهو الامر الذي ثبت من خلال اتساع ساحة الصراع لتصل الى طهران واليمن مروراً بسورية ولبنان ، وقد دأب الملك على وضع من يلتقيهم تحت مسؤولياتهم في وقف العدوان وكبح جماح التطرف الاسرائيلي الذي سيعزز بالمحصلة عدم الايمان بالسلام كمبدأ مع هذا التطرف فضلاً عن فقدان الثقة بصدق من يروجون له في ظل الصمت عما يجري من مأساة في غزة .
لا شك ان التعاطي العربي ومن ضمنه الفلسطيني مع الخطوة البريطانية المعلنة والمزمعة يكتنفها السلوك البريطاني والذي كان تاريخه المراوغة بدءاً من النكوص عن الوعود للعرب ابان ثورتهم الكبرى مروراً بمأٍساة الشعب الفلسطيني وحربي السويس 1956 والعراق 2003 ولغاية ما يجري الآن في غزة ، وسلوك إسرائيل عاد على حلفائها بعدم الثقة الدولية والإحساس الكبير بانهم شركاء في جريمة العصر في غزة فأصبح حديثهم عن الديمقراطية وحقوق الانسان والقانون الدولي مدعاة للسخرية والمقارنة ، والسياسة الغربية التي علمتنا انها "لا ترمي كسرة الخبز الا طمعاً في الرغيف" كما يقول المثل الشعبي يبدو انها قد بدأت تعي جيداً ان دعم اسرائيل اللامحدود قد جلب اليها خسائر استراتيجية اهمها فقدان ثقة شعوبها المنتفضة ضد سلوك الحليف الفظ فضلاً عن النظرة السلبية للعالم في شعوبه وحكوماته .
ويبقى السؤال هنا هل ستنجح الدبلوماسية البريطانية في استحقاقها الايلولي وما يتبعه من دعم حقوق الشعب الفلسطيني وبالتالي الاعتراف بالمسؤولية التاريخية لهذا الشعب ، ام ان الامر لا يغدو كونه مناورة تضاف الى ما سبق ، عموماً ايلول يفصلنا عنه آب وسيتضح ما يجهله الجميع فغياب ايلول لن يطول .