أدب المقاومة في الأردن: من ميدان المعركة إلى منبر التربية الوطنية
د. بركات النمر العبادي
31-07-2025 12:07 PM
-الجزء 2
في وطنٍ لم يعرف الاستكانة، حيث المعارك ليست فقط في ميادين النار، بل أيضًا في ميادين الكلمة ، تَشكَّل أدب المقاومة في الأردن كجدار أخلاقي وتربوي، ينقش في الوجدان الجمعي الاردني مفاهيم الكرامة والانتماء ، وينسج من وقائع البطولة روايات تُزرع في ضمير الأجيال ، فتصير التربية الوطنية أكثر من درسٍ مدرسي ؛ بل نبضًا يُعاش.
وفي وقت تتسارع فيه المتغيرات وتشتد فيه الحرب على الوعي ، لا يزال أدب المقاومة في الأردن يُشكّل سدًّا ثقافيًا وتربويًا راسخًا ، يعبر الأجيال، ويتغلغل في ضمير الطلبة والناشئة ، ويُرَسِّخ الانتماء والكرامة والتضحية كقيم عليا ، فمنذ تأسيس الدولة الأردنية عام 1921، حمل المثقفون الأردنيون مشاعل الكلمة ، لتكون رديفًا للبندقية ، ومنبرًا للصوت الشعبي المقاوم ، الذي وثّق المعارك الكبرى ، وأحيا الأمجاد ، وربط الأرض بالوجدان.
وكا ن هناك الملك الحسين طيب الله ثراه ، الذي كان في مقدمت جنوده البواسل ، و الذي كان يلهب المشاعر في خطاباته من جوف المعركة و الذي شكلت خطاباتة مسرحا لادب المقاومه وعززت روح الجهاد و المقاومه وحمل راياتها من جيل الى جيل، وقد خلف من بعده جلالة الملك الشاب عبد الله الثاني بن الحسين ادام الله عزه وايده و الذي سار بنفس النهج و ذهب الى ميادين ارحب في ادب المقاومة فمن نصرة القضية الفلسطنية في جميع المحافل الدولية الى نصرة اهل غزة وامدادهم بالغذاء و الدواء و الاطباء و التمريض ورعاية مصابي الحرب من ابناءهم صغارا وكبارا ونساءا وورجالا، فكل يوم يمر ونحن نقاوم من اجل المقدسات المسيحية و الاسلامية ونبذل كل جهد من اجل ان يبقى الفلسطيني مرابط على ارضه ، و من اجل ذلك قدم المناظل الاول الملك عبد الله الاول الذي نال وسام الشهادة على اعتاب المسجد الاقصى.
ومن الشاعر“عرار” إلى الجيل الرقمي: مسيرة شعرية لا تنكسر، فقد كان الشاعر مصطفى وهبي التل (عرار) صوتًا وطنيًا حرًا في بدايات الدولة ، حيث اجتمعت في شعره نبرة الثورة ، ونفس التحرر، والتمرد على التبعية ، وقد ترك إرثًا فريدًا في الأدب الوطني ، دفع أجيالًا لاحقة للسير على خطاه ، ثم جاء جيل ما بعد النكبة والنكسة ، فبرز شعراء أمثال: الشاعر حيدر محمود: الذي جعل من معركة الكرامة مادة شعرية تربوية ، تدرّس اليوم كمصدر فخر للأجيال ، وعلي البتيري: شاعر المقاومة الاجتماعية والسياسية ، صاحب القصائد الوطنية التي جابت الإذاعات والمناهج ، و الشاعر محمود فضيل التل: الذي دمج بين الحنين القومي والتوثيق التاريخي في ديوانه "أيام الكرامة".
وفي الشعر النبطي، لمع حمّاد الحجايا وسعد الذيابات وسالم الحناحنة، الذين وظّفوا الشعر الشعبي كأداة شعبية قوية لتعزيز الفخر والولاء وغير وغيرهم ، من الذين تغنوا بمواقف الجيش العربي والمقاومة الفلسطينية ، فقال الحجايا:"حنا جنود اللي على الحد ماردين ما نلين لو مالت جبال وسفوح" وهذه الاسماء نورها هناء على سبيل المثال لا الحصر .
لم يقتصر أدب المقاومة على الشعر، بل وُظفت الرواية والقصة القصيرة في خدمة الوعي الوطني، فبرزت : سميحة خريس في روايتها "الصحن"، حيث عالجت خلالها القضية الفلسطينية من زاوية وطنية أردنية ، ومجدي دعيبس في رواية "سقف الكفاية الأردني"، التي نسجت معاني الفقد والانتماء ، هزاع البراري ، الذي تناول في العديد من أعماله التداخل بين الأرض والتاريخ والإنسان.
أما في القصة القصيرة، فقد كتب فراس حج محمد ومفلح العدوان قصصًا تستلهم من الواقع الفلسطيني والأردني، وتحاكي الضمير الجمعي بأسلوب سردي معاصر.
وكان للمسرح دوره الحيوي في إشاعة أدب المقاومة وتعزيزه في وجدان الطلبة والشباب. فأعمال مثل: "الكرامة" للمخرج محمد الضمور ، و"تراب الوطن" من إنتاج وزارة الثقافة ، و"حكايات من اللجوء" التي عُرضت في المخيمات والمدارس ، جعلت من الخشبة منبرًا يعيد تمثيل بطولات الوطن ، ويقوي الجذور الثقافية عند الناشئة.
و اليوم ، وأكثر من أي وقت مضى، تبرز أهمية إدماج أدب المقاومة في الخطط التربوية ، ليس فقط كنصوص تُدرّس ، بل كممارسة ثقافية تُعاش ، سواء من خلال الإذاعات المدرسية ، أو الأنشطة اللامنهجية ، أو الرحلات إلى المواقع التاريخية (كالكرامة، وباب الواد، ووادي عربة، وكفرسوم و ام قيس) ، وقد أشار تقرير منتدى الفكر العربي (2023) إلى أن "الارتباط بين الأدب المقاوم والمناهج التربوية يضاعف من تأثيرها في بناء الانتماء وتعزيز الأمن الثقافي لدى الشباب".
المقاومة ليست فقط سلاحًا ، بل فكرة تتناقلها الأجيال ، فالأردنيين لم يكونوا يومًا على هامش الصراع ، ولا أدباؤهم على هامش الوعي ، فمن الكرك إلى إربد ، ومن السلط إلى الرمثا، ومن الشعر العمودي إلى القصيدة الشعبية ، ومن الرواية إلى المسرح ، ظلت الكلمة مشتعلة بالوطن ، وها هي الأجيال ، بفضل هذا الإرث الأدبي المقاوم ، تتعلّم كيف يكون الانتماء موقفًا ، وكيف يكون الوطن مسؤولية تقترن بحب القائد والوطن ، فحب الهاشميين تربى في قلوب الاردنيين حتى صار قمحا وزيتونا وعنبا، وحتى صار المواطن االاردني جنديًا في ارض المعركة و مثقفا فاعلا في معركة الوعي الثقافي .
حمى الله الاردن و سدد على طريق الحق خطى قيادته وشعبه