الأردن ومصر والسعودية وفلسطين القضية
د. حازم قشوع
01-08-2025 02:15 PM
عندما تُذكر مرحلة العدوان على غزة في التاريخ، سيشهد كاتب التاريخ عليها ويقول: لولا صمود الشعب الفلسطيني وبسالته في الدفاع عن أرضه، لما تحقق عنوان الانتصار، ولولا موقف مصر الصامد والرافض للتهجير، لما بقي الفلسطيني دون تهجير، بالرغم من كل الاستفزازات التي تعرض لها الجيش المصري على الحدود، لكنه أبى إلا أن يساند الشعب الفلسطيني بعمليات نوعية نفذتها المخابرات المصرية على كل الأصعدة الميدانية والإنسانية السائدة، ولما استمر هذا الصمود، ولولا سياسة الأردن الثابتة الداعمة للحق الفلسطيني، لما استطاع الشعب الفلسطيني أن يحافظ على منجزاته في الضفة، وحماية مقاومته المشروعة في قطاع غزة ضمن غطاءات دبلوماسية قادها الملك عبدالله والأردن في المحافل الدولية، وأخذ يبينها باعتباره مركزًا رئيسًا للإغاثة الإنسانية والحاضنة الشعبية الداعمة للقضية الفلسطينية، عندما وقفت عمّان وقفة عز مع غزة العزة، لتحقق بذلك ثابت النصرة الشعبية في كل المدن العالمية.
ولولا الموقف السعودي الرافض للتطبيع دون أن يُقرن بالدولة الفلسطينية، لما تحققت هذه النصرة لصالح فلسطين الدولة في المحافل الدولية، والتي أخذت فيها فلسطين تقوم على تسييل نضالات الشعب الفلسطيني سياسيًّا مع أمواج النصرة لصالح الدولة، التي أخذت تشكل حالة مع إطلاق المبادرة الفرنسية السعودية في نصرة حل الدولتين، والاعتراف بفلسطين الدولة والهوية.
وهي المعطيات التي جعلت من الأردن ومصر والسعودية يتم استهدافها بشكل مباشر عبر قيام جهات مشبوهة بالتشكيك بمواقفها وبيان قادتها، لكن ظروف التشكيك هذه ومناخات الاتهامية، قابلها الأردن بمزيد من الدعم لغزة، ومزيد من العناية بالقضية الفلسطينية، لأن الأردن، كما مصر والسعودية، مهما تعرضت لهجمات، ستبقى تنشد أنشودة فلسطين قضية العرب المركزية، ومهما تعرضت هذه الدول لحملات تشكيك ظالمة على موقفها وسياستها، فإن الموقف الثابت، والإنجاز الدبلوماسي الكبير الحاصل، والتغير في المزاج الدولي البائن، أخذ ينحاز لقضية العرب السلمية، ويبتعد عن العدوانية والتطرف والغلو، الذي يمثله معول الهدم الإسرائيلي.
وهي الحالة التي أوصلت الجميع لدرجة التباين الحاد بين الولايات المتحدة والأمم المتحدة، في إطار المناورات الدبلوماسية الجارية بين واشنطن، حيث بيت القرار الأمريكي، ونيويورك، حيث بيت القرار الأممي، وهو ذات التباين الذي أخذ يَبين، بذات السياق، عن عودة النظام العربي لمكانته بعد فترة سبات طويلة، بقيادة أردنية مصرية سعودية هذه المرة، بعدما أخذت تعزف سيمفونية باستقلالية قرار عن المحاور الإقليمية الإيرانية والتركية... وهذا ما يمكن مشاهدته في أروقة الأمم المتحدة، مع عودة النظام العربي إلى مسرح الأحداث الدبلوماسية، عبر مبادرة "حل الدولتين"، التي تستهدف ثلاث أهداف رئيسية:
حيث يمثلها في المقام الأول: حماية الشعب الفلسطيني على أرضه، برفض التهجير والترحيل، ووقف العدوان، وتجميد الاستيطان.
وفي المقام الثاني: تبين مسألة حماية مشروعه السياسي بإقامة الدولة، عبر الانتقال بهويته السياسية الأممية من مكانة دولة مراقب إلى منزلة دولة عاملة في الأمم المتحدة.
وأما العنوان الآخر، فإنه يشكله عنوان الإعمار وبناء المؤسسات الفلسطينية في إطار الحاضنة العربية، وهذا ما تبينه أهمية الإصلاحات السياسية التي تشرعن على إنجازها الدولة الفلسطينية.
ولعل هذه الأهداف، حين تحقيقها، ونحن على مسافة قريبة منها، ستشكل فاصلًا تاريخيًّا للقضية الفلسطينية، وسيقوم كاتب التاريخ بتسجيلها بخطوط عريضة، لصالح بناء الدولة الفلسطينية بمشاركة مصرية وسعودية وأردنية هاشمية، ستشكل في مجملها خير رد على كل مناخات التشكيك والاتهامية التي طالت عودة النظام العربي وعودة فلسطين إلى سكة الدولة وبناء المنجز.
وهذا ما يمكن تتويجه في "قمة عربية" تُعقد لهذه الغاية، وسط هذه الفاصلة التاريخية التي أخذت ما تعيد النظام العربي إلى منزلته ومكانته.