facebook
twitter
Youtube
Ammon on Apple Store
Ammon on Play Store
مواعيد الطيران
مواعيد الصلاة
rss
  • اخر التحديثات
  • الأكثر مشاهدة




من اقتصاد الظل إلى اقتصاد الحياة .. بلا توظيف لا بلا عمل


د. أميرة يوسف ظاهر
02-08-2025 09:44 AM

لمياء طالبة كيمياء في سنتها الأخيرة تبيع عطورا مركبة عبر إنستغرام، وتربح شهريا ما يفوق راتب والدها الحكومي، تقول بثقة: درست أربع سنوات لأكتشف أن شهادتي زينة أنيقة لمشروعي الحقيقي. ليست لمياء حالة استثنائية وإنما أنموذجا شفافا لجيل أعاد تعريف العمل دون تصريح، ورسم خريطة القيمة خارج حدود الشهادة؛ ففي زمن فيه الاقتصاد لا يعترف إلا بما يمر عبر المؤسسات، تنهض عشرات القصص التي لا تتقاطع مع سوق العمل التقليدي صانعة عملا فعليا متجددا، يخلق أثرا اقتصاديا واجتماعيا غير مرئي في المؤشرات لكنه محسوس في الواقع.

وراء كل أربعة خريجين عرب يقف شبح بطالة بحسب أرقام منظمة العمل الدولية لعام 2024، والرقم لا يروي القصة كاملة فالمفارقة: أن أغلب هؤلاء الخريجين لا يجلسون في المنزل منتظرين فرصة تسقط عليهم من السماء، بل ينخرطون في أعمال حقيقية خارج التصنيفات الرسمية، فهي بطالة مصطنعة تولدها فجوة بين الواقع وأدوات القياس، وبين ما يفعله الشباب فعليا وما تعتبره المنظومة عملا مشروعا؛ فما نراه ليس جيلا بلا عمل وإنما منظومة بلا اعتراف.

في المقاهي وغرف السكن الجامعي ومن خلال حسابات إلكترونية بسيطة يصمم هذا الجيل واقعا موازيا يضم: تصميم وتحرير وبيع منتجات رقمية وتدريب ودعم فني وتسويق رقمي وتطوير تطبيقات… كل هذه أعمال حقيقية لا تدرج في خانة العمل الرسمي؛ هو ليس اقتصاد ظل بل اقتصاد حياة ينمو من الهامش ليعيد تعريف المركز؛ فحين تعجز النماذج التقليدية عن استيعاب الإبداع لا يبقى أمام المبدعين سوى بناء نماذجهم الخاصة.

يتخرج الطالب ويطلب منه ثلاث سنوات خبرة، فيسأل عما لم يتح له أصلا، ويبقى السؤال الأعمق: من يحدد شروط الدخول إلى السوق؟ ولماذا لا يعاد تعريف العمل باعتباره حلا لمشكلة لا منصب؟ لقد تجاوز الشباب فكرة انتظار الوظيفة وابتكروا لأنفسهم طابورا جديدا لا يبدأ من أمام الوزارة، لكن من حساب شخصي أو فكرة مبتكرة أو مهارة متقنة؛ في حين تستمر الجامعات في تخريج حملة الشهادات، لا تختبر فيهم أي قدرة على حل مشكلات مجتمعاتهم، يبني هؤلاء الشباب مبادرات صغيرة فعالة تؤثر على مستوى الأفراد وتنتج قيمة فعلية.

تستمر المؤسسات في قياس النجاح وفق مؤشرات كلاسيكية لا تقرأ الواقع، وتعتبر التوظيف الرسمي المعيار الوحيد للجدارة، والواقع غير ذلك إذ انتقلنا من منطق الوظيفة المانحة إلى منطق القيمة المنتجة، وفي هذا التحول الجذري يحتاج النظام أن يعيد تموضعه بدل إعادة إنتاج نفسه، وأن يعيد تصميمه جذريا ليعترف بأشكال العمل الجديدة، وليس هناك سبب يمنع تحول السنة الجامعية الأخيرة إلى مساحة ميدانية حقيقية، يرتبط فيها التخرج بمشروع أو مبادرة أو حتى محاولة فاشلة تظهر الجهد والتجريب.

إن الاقتصاد الجديد لا يحتاج إلى احتضان مالي بل إلى اعتراف ثقافي وتشريعي، فالطالب الذي يبيع أو يصمم أو يدير حسابات لا يحتاج إلى وظيفة، لكن إلى إطار ينظم جهده ويمنحه شرعية ويصونه من الاستغلال، وهنا تبرز الحاجة إلى مؤشرات وطنية تعترف بالاقتصاد الموازي بوصفه أحد مكونات النمو لا نقيضا له، فالتمويل الصغير والحاضنات الرقمية والشراكات بين القطاع الخاص والخريجين المستقلين، هي أدوات استراتيجية لإعادة دمج الاقتصاد الحقيقي في السياق الوطني العام.

ما يحدث الآن محاولة بقاء، فالشباب لا يطلب امتيازات بل اعترافا بجديته وحقه في إعادة صياغة العمل، والمجتمع الذي لا يعترف بفاعليه الجدد سيظل مصدرا للإحباط بدل الإنتاج، والاعتراف عدالة، وعدالة الفرص تكتمل بالاعتراف بكل جهد صادق وبتصنيفه في دفاتر المؤسسات، إننا أمام جيل لم ينتظر ولم يتوقف، إذ أنه اشتغل في الظل حين تأخر الضوء، وإن كنا جادين في الاستثمار في المستقبل فعلينا أن نبدأ بالاعتراف بمن يصنعونه من الهامش بثقة وبقيمة وبأمل لا ينهزم.





  • لا يوجد تعليقات

تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة عمون الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة عمون الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم : *
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق : *
بقي لك 500 حرف
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :