facebook
twitter
Youtube
Ammon on Apple Store
Ammon on Play Store
مواعيد الطيران
مواعيد الصلاة
rss
  • اخر التحديثات
  • الأكثر مشاهدة




الاستهتار… حين يتحول المجتمع إلى مسرح حوادث


د. ليث المومني
03-08-2025 09:41 AM

ما نراه من حوادث مؤلمة في مجتمعاتنا، من وفيات على الطرقات، إلى جرائم عنف، إلى إهمال في أماكن العمل، أو غش في التعليم، أو تجاوز للأنظمة، ليس مجرد صدفة أو قدر محتوم… بل هو نتاج مباشر لشخصيات تربّت على الاستهتار، ونشأت على أن “الآخر لا يُهم”، وأن “القانون قابل للالتفاف”، وأن “الذكاء هو أن تأخذ دون أن تعطي”.

والمسؤولية هنا ليست بالدرجة الأولى مسؤولية الدولة، ولا التشريعات، ولا القضاء، ولا الأمن العام… فهذه كلها تأتي بعد الفعل، لا قبله. المسؤولية الحقيقية تبدأ من البيت، من المدرسة، من الأستاذ الجامعي، من كل من ساهم في تكوين إنسان لا يرى في الآخرين إلا أدوات، ولا في النظام إلا عائقًا لمزاجه.

من يقطع الإشارة ليس متهورًا فقط، بل مستهترٌ بمن حوله، بحياتهم، بحقهم في الأمان. ومن يغش في الامتحان، أو من يسمح بالغش، لا يغش جامعته فقط، بل يغش المستقبل. أما من يتراخى في تطبيق العدالة، فيرسّخ في الطالب مبدأً خاطئًا في فهم الاستحقاق والإنصاف.

في بعض البيوت، يُزرع الاعتزاز بالعصبيات منذ الصغر، فيكبر الطفل معتقدًا أن “نحن الأفضل”، و”فلان لا يُضاهي جماعتنا”، و”نحن وليس بعدنا شيء”. تُغذّيه كلمات كهذه بشعور زائف بالفوقية، تُنمّي فيه احتقار الآخرين بدلًا من احترامهم. وعندما يخرج إلى الشارع بهذه العقلية، يعتقد أن كل ما أمامه حق له دون غيره، وأنه مكتسب للحقوق دون أن يعطيها، فيرتكب كل المخالفات والموبقات لتحصيل ما يريد، مما قد يُشكّل أساسًا لشخصية ذات طابع إجرامي تهلك نفسها وغيرَها. وقد قال النبي ﷺ: “من قاتل تحت راية عُمية، يغضب لعصبة، ويدعو إلى عصبة، ويَنصُر عصبة، فقُتل فقتلته جاهلية” (رواه مسلم).

وفي بعض البيئات الجامعية، يُتساهل مع الطالب تحت غطاء ديني أو إنساني أو رغبة في نيل الرضا، وقد تؤثر المجاملات أو التدخلات غير الأكاديمية على العدالة التعليمية. وهنا لا بد من قول الحقيقة: هذا التساهل، وإن بدا رحيمًا في ظاهره، قد يكون نتيجة تردد في تطبيق المعايير، أو حرصًا مفرطًا على إرضاء الجميع، مما يضر برسالة التعليم.
المُدرس صاحب رسالة، ومؤتمن على الجميع. يجب أن يكون قويًا من داخله بالمبادئ والقيم، وأمينًا على الغريب قبل القريب، ليكون قدوة يُحتذى بها في مجتمعه. فالمسألة لا تحتمل التراخي، لأنها تمس صلب النزاهة وأمان المجتمع ومستقبله. وقد قال الإمام الشافعي: “من استحيا من الحق فهو أحمق، ومن استحيا من الباطل فهو أخرق”. وقال الله تعالى: “ولا يجرمنكم شنآن قومٍ على ألا تعدلوا، اعدلوا هو أقرب للتقوى” (المائدة: 8).

وكذلك الواسطة؛ لا تظلم الطالب المظلوم فحسب، بل تقتل هيبة المؤسسة التعليمية، وتُخرّج كارثة مؤجلة إلى المجتمع.

وحين تصبح مشاعر الأستاذ أعلى من معايير التعليم، واعتبارات “الظروف” أقوى من العدالة الأكاديمية، يتحول التعليم إلى شكل بلا مضمون، وتُغتال مفاهيم الاستحقاق والكفاءة. وقد قال الفيلسوف إيمانويل كانط: “العدالة هي الشرط الأول لقيام المجتمع”. أما في الفكر التربوي، فيقول جون ديوي: “التعليم ليس استعدادًا للحياة، إنه الحياة ذاتها”.

وبمجموع ما سبق، فإننا بذلك لا نقوم بالأمانة التي وُكِلت إلينا، والمتمثلة في إخراج شخصيات قوية، تساهم في بناء المجتمع وخدمة الوطن بحق وعدالة. فخدمة الوطن لا تكون بالشعارات أو التنظير، بل في مجابهة السلوكيات الخاطئة دون مجاملة، والعمل بصمتٍ من أجل الحقيقة، لا من أجل المنصات أو التصفيق. فالمجتمع لا يُبنى بالشكليات، وإنما بالجوهر… والمسألة باختصار غير مخل: هي مسألة وطن.

الرحمة لا تعني إلغاء العدالة، والمواساة لا تبرر الغش، والظروف الخاصة لا تُعطي الحق في ظلم الآخرين. قال الإمام علي بن أبي طالب رضي الله عنه: “قيمة كل امرئ ما يُحسن”. وإذا أردنا إصلاحًا حقيقيًا، فعلينا أن نعيد تعريف الرحمة، ونربطها دومًا بالحق، وأن نُربّي أبناءنا لا ليكونوا “من جماعتنا”، بل ليكونوا من أهل الصدق والعدل والضمير.

" وقفوهم أنهم مسؤولون "





  • لا يوجد تعليقات

تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة عمون الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة عمون الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم : *
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق : *
بقي لك 500 حرف
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :