الإصلاح السياسي .. مشروع دولة .. أم وهجٌ عابر؟!
محمود الدباس - أبو الليث
06-08-2025 01:44 PM
في زيارة وفد من ملتقى النخبة-elite إلى وزارة الشؤون السياسية والبرلمانية.. التقينا بمعالي الوزير عبدالمنعم العودات.. وأمين عام الوزارة الدكتور علي الخوالدة.. فكان اللقاء صريحاً وشفافاً.. يفيض بالوضوح والجدية.. حديث القلب إلى القلب.. لا بروتوكول فيه.. ولا رتوش.. بل مصارحة وطنية.. تبعث الطمأنينة.. وتكشف الطريق بجلاء.
في البداية.. استعرض الوزير أمام الوفد.. المسيرة التي قطعها الأردن.. منذ ما سمي بالربيع العربي.. ذلك الربيع الذي تحول في الكثير من الدول الى معول هدم.. لكنه عندنا.. كان ربيعاً أردنياً خاصاً.. تفتحت فيه براعم الإصلاح بوعي القيادة.. ورؤيتها الثاقبة.. فكانت البداية تعديلات دستورية.. طالت ما يقارب ثلث مواد الدستور.. لتعيد التوازن بين السلطات.. وتحد من تغول التنفيذية.. ولتكون ضامناً لمسار إصلاحي متجذر.. لا مجرد استجابة لظرف طارئ.. ينتهي بانتهائه.
وتحدث الوزير عن القوانين التي رسمت ملامح مرحلة جديدة.. كقانون الانتخاب المحصّن دستورياً.. الذي أعاد الاعتبار للحياة الحزبية.. وكقانون الأحزاب الذي ألزم بتمثيل المرأة والشباب.. بنسبة لا تقل عن 20% من المؤسسين.. فكان ذلك تأكيداً.. أن الدولة ماضية نحو ترسيخ المشاركة السياسية للجميع.. لا بالتمني.. وإنما بالتشريع.
ولعل ما كان يثير الانتباه سابقاً.. أن الحديث عن الأحزاب كان شبه محرّم.. وكأن الانخراط فيها مساس بالدولة.. تربينا على فكرة أن الأحزاب طريق للضياع.. لا للنجاة.. أما اليوم.. فقد بات الطريق الوحيد لكل مَن يريد دخول المعترك السياسي.. هو بوابة الأحزاب.. وصار ذكرها بين الناس.. حديثاً عادياً.. بل ولافتاً.. دليلاً على تحوّل ثقافي عميق.. أرادت له الدولة أن يترسخ.. لا في نصوص القوانين فحسب.. بل في وعي المجتمع أيضاً.. على الرغم مما يعتري بعض هذه الأحزاب من اختلالات.. وطريقة ولادتها.. وكيفية ادارتها.. إلا أن التغيير للافضل.. وسيرها في الطريق السليم.. هو ما سيحدث.
كذلك أوضح الوزير.. أن تمكين المرأة والشباب ليس مجرد شعار.. بل حقيقة يترجمها الواقع.. فالبرلمان اليوم يضم عدداً غير مسبوق من النساء.. بلغن نحو 20% من المقاعد.. نصفها بالكوتا ونصفها بجهد حزبي مباشر.. فيما يشكل الشباب أكثر من ثلث عضوية الأحزاب.. بنسبة تقارب 38%.. لتكون أدوارهم فاعلة.. لا شكلية.. والوزارة تتابع بدقة كيف يتحول هذا الحضور.. إلى تأثير في القرار السياسي.
وأكد أن الطريق إلى الممارسة الديمقراطية.. لا يقتصر على فرض تشريعات ملزمة.. كالكوتا النسائية والشبابية.. بل يتعداها إلى التربية التأسيسية.. فالأردن أدخل مفاهيم الديمقراطية والحياة الحزبية في المناهج المدرسية.. والأنشطة الجامعية.. وحتى في رياض الأطفال.. ليكبر الجيل.. وهو يتنفس هذه الثقافة.. فلا يراها غريبة.. ولا طارئة.. بل جزءاً أصيلاً من تكوينه الوطني.
ولم يغفل الوزير عن التحديات.. فعدد الأحزاب كبير نسبياً.. غير أن العبرة ليست في الكم بل في النوع.. وفي قدرة الأحزاب على التحول من كيانات شكلية.. إلى مؤسسات واعية.. تعرف أصول اللعبة السياسية وأطرها.. وهو مسار يحتاج وقتاً وصبراً.. لكن الإرادة السياسية.. مصممة على المضي فيه حتى النهاية.
في ختام اللقاء.. لمس الوفد.. أن ما يجري ليس مشروع حكومة.. بل مشروع دولة بكل مؤسساتها.. مشروع يراد له أن يستمر ويتجذر.. حتى تصبح الأحزاب رافعة أساسية للحياة السياسية.. وحتى يشعر المواطن.. أن له دوراً أصيلاً في صنع القرار.. خصوصاً في ظل ما يدور حول الأردن من تحولات كبرى.. قد تعيد رسم خريطة المنطقة.. فالمشاركة الواعية لم تعد ترفاً.. بل ضرورة وطنية لحماية الأردن.. وصون استقراره.
إن هذا الوطن الذي نحب.. لن يزدهر.. إلا بسواعد أبنائه.. وبوعي شبابه.. وفكر نسائه ورجاله.. فالمسار الذي بدأناه ليس طريق حكومة عابرة.. بل طريق دولة.. تؤمن أن المستقبل لا يُصنع بالانتظار.. بل بالمشاركة.. فلنكن جميعاً جزءاً من هذا التحول.. ولنجعل من الانخراط الحزبي والديمقراطي رسالة نؤديها.. لا لأنفسنا فقط.. بل للأردن الذي يستحق أن يكون في مقدمة الأمم.