عاطف الطراونة .. تحية ودّ
د. بسام البطوش
07-08-2025 12:59 PM
في الذاكرة أحاديث في مجالس الأهل زمن الطفولة والشباب في الكرك حول الحاج صالح بن سليمان الطراونة، الذي ربطته صلات ود وعمل وتجارة مع أهلنا وقريتنا الطيبة، وكان يملك مطحنة حبوب فيها في الأربعينيات من القرن الماضي، وهو الرجل الصالح المتوكل على ربه، إذ يروى أنه كان يسير راكباً من الخالدية (أم زباير) إلى الطيبة (خان زيرا) غافياً في بعض أجزاء رحلته، فقد تأخذه سنة من النوم وهو يعلو صهوة (زمالته) التي تقطع به الدروب الوعرة، وهي ذاتها دروب الخير والبيادر والمراعي الممتدة والصلات العميقة النقية.
كان الحاج صالح حافظاً للودّ والعشرة، متسامحاً ومتصالحاً مع نفسه ومع مجتمعه. وقد ورث أبناؤه، الحاج يوسف وإخوته هذه الصفات والسجايا، وحافظ أحفاده من بعده على إدامة الودّ والاحترام مع الجميع، وورث المهندس عاطف بن يوسف بن صالح وإخوته (عيال يوسف) هذا الإرث الاجتماعي الطيب، وواصلوا كفاحهم في دروب الحياة وطلب العلم وريادة الأعمال وخدمة المجتمع والوطن، ونجحوا في حماية إرثهم الاجتماعي والعائلي وفي البناء عليه وتعزيزه، وحققوا نجاحات مشهودة في ميادين متنوعة اقتصادية وعلمية ومهنية وسياسية.
عرفت الأخ المهندس عاطف الطراونة عن قرب عندما فزت في عضوية مجلس النواب السابع عشر، وكان قد سبقني في عضوية المجلس بنحو عشر سنوات متواصلة ممثلاً لدائرتنا الانتخابية المشتركة. وكان مبادراً إلى التهنئة والتبريك بفوزي. وفي الحقيقة امتاز الأخ عاطف وأشقاؤه بالحرص على العلاقات الودية والمشاركة الاجتماعية والتواصل الشخصي الودود في كل الأوقات والظروف.
وكان الرئيس عاطف الطراونة حريصاً في المجلس على دفء العلاقة بيننا، كما لم يبخل بتوجيه النصح الناعم ومن طرف خفيّ، كلما كان ذلك متاحاً وبطريقة أخوية ودّية غير مباشرة، وهو البرلماني العريق، في حين كنت أتلمّس بدايات طريقي في العمل البرلماني، مع صوفية عالية تدفعني لشق طريقي بإسلوبي الخاص، وبقناعة كاملة بأنني أمثل جيلاً جديداً من النواب، وينبغي أن أقدم أداءً داخل المجلس وخارجه يوازي ثقة فئات مهمّشة ومثقفة أوصلتني إلى المجلس!
انتسبت في المجلس لكتلة غير الكتلة الأكبر التي شكّلها الأخ عاطف. و من الطبيعي في الحياة اليومية في المجلس والجلسات واللجان أن تتحكم بالجميع أولوياتهم وعلاقاتهم وارتباطاتهم الكتلوية والشخصية، ومن المألوف أن تتباين بين النواب الأهداف والمصالح ووجهات النظر، وهذا من طبائع الأشياء ومن بدهيّات العمل البرلماني، ويظهر هذا جلياً في مواسم انتخابات المكتب الدائم واللجان النيابية وفي مجمل العمل البرلماني، سيما في حالتي أنني قد نافست منذ اليوم الأول على رئاسة لجنة التربية والتعليم والثقافة والشباب وتوليت رئاستها لعامين، وخسرت رئاستها لعامين. وهذا جعلني في معترك التنافس وفي قلب التوازنات في المجلس، ولا شك أن مجمل حركتي داخل المجلس وخارجه كانت نابعة من قناعاتي ومتأثرة بخلفيتي الفكرية والأكاديمية، وبحداثة تجربتي النيابية، وبفهمي وتصوراتي للعمل النيابي المنشود.
وفي الواقع لا يحسد رئيس المجلس على ما يواجهه من مصاعب لتحديد الخيارات والأولويات وإقامة التوازنات، خاصة في مثل حالة المهندس عاطف الطراونة وما يتمتع به من شبكة علاقات واسعة، ورئاسته لأكبر كتلة نيابية، وما لديه من حسابات وتحالفات. وكأي رئيس للمجلس ليس بمقدوره وهو يدير الجلسات أن يلبي رغبات النواب سواء في انتخابات المكتب الدائم و اللجان الدائمة، أو أن يرضي الجميع كتلاً وأفراداً في توزيع الكلام والوقت والمساحة المتاحة، والمشاركة في الوفود البرلمانية، وهذا ما يثير عواصف لحظية تحت القبة، سرعان ما تتبدد وتتلاشى بين النواب أنفسهم.
وجدت من واجبي توجيه تحية ودّ وتقدير، مشفوعة بأطيب التمنيات لأخي المهندس عاطف الطراونة (أبو ليث) وهو يمضي فترة علاجه وتعافيه، وكلي ثقة وإيمان بأنه سينتصر في معركة التعافي هذه بإذن الله، وهو من عوّدنا على الفوز في محطات الحياة كلها. وأضرع إلى الله جلّت قدرته أن يكلأه بموفور الصحة والعافية، وأن يعيده إلى أهله ومحبيه سالماً معافى، وأن نراه كعادته حاضراً مؤثراً وفارساً نبيلاً في ميادين الكرك والوطن والحياة، شامخاً كشموخ الكرك وأهل الهيّة الكرام الذين أحبّهم وأحبّوه ومنحوه ثقتهم لتمثيلهم في مجلس النواب لنحو عقدين متواصلين، ودخل بذلك تاريخ الحياة التشريعية والسياسية في الأردن ووضع بصمته فيها لأجيال وأجيال.