كرامة المواطن على طاولة وزير الصحة
المحامي الدكتور هيثم عريفج
09-08-2025 12:56 PM
حادث سقوط عرضي لوالدتي أسفر عن بعض الكسور، استدعى إدخالها للمستشفى للمراقبة، مع احتمال الحاجة إلى تدخل جراحي لترميم بعض المناطق المصابة. والدتي، وبعد أكثر من أربعين عامًا من خدمة الوطن كمربية أجيال ، تمتلك تأمينًا صحيًا من الدرجة الأولى، يتيح لها العلاج في المستشفيات الخاصة على نفقة التأمين مع نسبة تجمل ٢٠% .
المفاجأة المؤلمة كانت رفض عدد من الأطباء متابعة حالتها إذا كان العلاج على نفقة التأمين الصحي، رغم الحصول على موافقة مسبقة، بحجة أن تسديد الفواتير يمر بمراحل بيروقراطية معقدة، وقد يستغرق شهورًا طويلة وأحيانا سنوات . هذه الصورة تعكس أزمة أعمق في منظومة الصحة، وهي ذاتها التي نراها في نقص الأدوية بالمستشفيات الحكومية نتيجة امتناع بعض مستودعات الأدوية عن التزويد بسبب تراكم المطالبات المالية غير المسددة.
ومع العلم أن وزير الصحة الجديد لم يمضِ على توليه المسؤولية سبعة أيام، ومع احترامي وثقتي به شخصيًا، إلا أن واقع القطاع الصحي الحكومي صعب ومحبط، ويحتاج إلى قرارات سريعة وجرأة في المعالجة، قبل أن تتفاقم الأزمة أكثر.
التحديات التي تواجه القطاع الصحي لا تتوقف عند نقص التمويل؛ فالأردن يعاني من قلة عدد المستشفيات مقارنة بالنمو السكاني، إذ تشير إحصاءات وزارة الصحة إلى أن عدد المستشفيات الحكومية لا يتجاوز 32 مستشفى، مقابل أكثر من 11 مليون نسمة، أي بمعدل مستشفى واحد لكل نحو 343 ألف مواطن. كما أن قوائم الانتظار طويلة، إذ قد ينتظر المريض أشهرًا للحصول على موعد لفحص أو عملية، خصوصًا في التخصصات الدقيقة.
هذا الواقع يتطلب رؤية إصلاحية شاملة ترتكز على:
1. تحسين آليات تسديد مستحقات المستشفيات والأطباء، بما يحفّزهم على استقبال المؤمنين صحيًا.
2. إيجاد حلول جذرية لأزمة الأدوية عبر تسديد ديون الوزارة للموردين وضمان مخزون استراتيجي للأدوية الأساسية.
3. توسيع البنية التحتية الصحية عبر بناء مستشفيات جديدة في المناطق الأكثر احتياجًا.
4. زيادة الإنفاق الصحي، الذي لا يتجاوز حاليًا 8% من الموازنة العامة، إلى مستويات تليق بحاجة المواطنين.
من الضروري أن تدرك الحكومة، وفي مقدمتها وزارة الصحة، أن تقديم الحمايات الاجتماعية للمواطنين، وعلى رأسها الرعاية الصحية الشاملة والفعّالة، ليس ترفًا أو خيارًا إضافيًا، بل هو واجب وطني وأساس من أسس العدالة الاجتماعية ، وأي تقصير في هذا الجانب ينعكس سلبًا على المواطن والمجتمع بأكمله.
ومع تسلم الوزير الجديد لوزارة الصحة، نضع أمامه قفاز التحدي، ونقول: كرامة المواطن الأردني تبدأ من حقه في علاج كريم وسريع وآمن، وهذه مسؤولية وطنية قبل أن تكون إدارية.