بين حفل الحناء ودكان الحارة .. سرّ لا ننتبه له
محمود الدباس - أبو الليث
11-08-2025 12:10 PM
بالأمس.. وبعد أن تراجع لهيب النهار.. خرجت إلى دكان الحارة.. أبحث عن بعض التسالي لأؤنس بها سهرتي مع أرجيلتي.. مستغلاً غياب زوجتي وبناتي.. اللواتي ذهبن إلى عمان لحضور حفل حناء..
وقفت أمام الدكان.. فإذا بفتاتين في ريعان الشباب.. تجلسان على الرصيف المقابل.. بكامل حشمتهما وأدبهما.. تتبادلان الحديث بهدوء.. وكأن الزمن توقف عند لحظة صفاء..
تأملت المشهد.. وتذكرت أن زوجتي وبناتي على بعد كيلومترات مني.. في مدينة مزدحمة.. يسِرن في شوارعها مطمئنات.. بلا خوف ولا وجل..
قلت في نفسي.. ما أعظم هذه النعمة التي تحيطنا دون أن نشعر بثقلها.. نعمة الأمان.. التي تجعل فتاة تخرج بعد الثامنة مساء لتجلس على الرصيف خارج بيتها.. وكأنها في غرفة معيشتها.. وتجعل رجلا يرسل أهله في سفر ليلي.. دون أن يلتفت خلفه بقلق..
إنها النعمة التي لا يذكرها أغلبنا.. إلا حين تتزعزع.. وحين يصبح الخوف هو الهواء الذي نتنفسه.. وحين يصبح الليل عدوا.. نغلق له الأبواب قبل غروب الشمس..
تخيلت المشهد -لا قدّر الله- لو أن الأمان غاب.. لربما لم تسمح عائلة لتلك الفتاتين بقطع خطوتين خارج البيت.. ولما جرؤ الرجال أنفسهم على السير في الشوارع بعد المغيب..
الأمان ليس جنديا على حاجز فقط.. وليس شرطيا في دورية.. الأمان هو شعور ينساب في القلوب.. فيجعل الحياة ممكنة.. ويحوّل المدن إلى بيوت كبيرة.. والشوارع إلى ساحات لقاء..
والحمد لله على نعمة.. إن فقدناها -لا قدّر الله- خسرنا معها كل النعم الأخرى..