ما المطلوب من القطاعين الخاص والعام في رؤية التحديث الاقتصادي؟
د. حمد الكساسبة
12-08-2025 12:33 PM
تُعد رؤية التحديث الاقتصادي مشروعًا وطنيًا شاملًا يهدف إلى تحفيز النمو، وتوسيع القاعدة الإنتاجية، وخلق فرص عمل مستدامة. غير أن نجاحها يعتمد بالدرجة الأولى على قدرة القطاعين العام والخاص على العمل كشركاء حقيقيين بأدوار واضحة ومتكاملة، ضمن تنسيق مؤسسي يتجاوز الإطار النظري نحو التطبيق العملي الذي يعزز الإنتاجية ويقوي تنافسية الاقتصاد.
ويقع على عاتق القطاع العام، بحكم دوره التشريعي والتنظيمي، مسؤولية توفير بيئة أعمال مستقرة وشفافة، وإصلاح الإطار القانوني، وتبسيط الإجراءات الإدارية، وضمان المنافسة العادلة. كما يجب أن يستثمر في البنية التحتية الاستراتيجية من طاقة ونقل ومياه، بما يمكّن القطاع الخاص من التوسع في مشروعات إنتاجية أكبر.
وفي المقابل، لا يقتصر دور القطاع الخاص على تمويل المشروعات، بل يمتد ليشمل الابتكار، وتطوير سلاسل القيمة، وفتح أسواق جديدة، وخلق فرص عمل نوعية، مع الالتزام بتبني التكنولوجيا وتحسين كفاءة الإنتاج.
ومن منظور الاستثمار المحلي، يشكل القطاع الخاص أكثر من نصف الناتج المحلي الإجمالي، ما يجعله محركًا أساسيًا لتحقيق أهداف الرؤية. ورغم تذبذب معدلات الاستثمار بين 2022 و2025، فإن مؤشرات الربع الأول من عام 2025 أظهرت تحسنًا نسبيًا في ثقة المستثمرين بدعم من استقرار بيئة الأعمال. لكن استدامة هذا التحسن مرهونة بقدرة الحكومة على خفض المخاطر، وتوسيع الحوافز، وضمان الاستقرار التشريعي على المدى الطويل.
ويُعد النمو الاقتصادي البوصلة التي تحدد مدى نجاح هذه الشراكة.
فقد أظهرت المؤشرات تحسنًا نسبيًا في معدلات النمو خلال 2025، وهو ما يوفر قاعدة يمكن البناء عليها لتحقيق معدلات أعلى بحلول 2033، إذا ما تم تعزيز كفاءة الإنفاق، وربط المشروعات الكبرى بمناطق التنمية، وتوسيع دور القطاع المصرفي وصندوق استثمار أموال الضمان الاجتماعي في تمويل الأنشطة الإنتاجية.
وتظل البطالة اختبارًا حقيقيًا لهذه الشراكة، خصوصًا مع ارتفاع معدلاتها بين الشباب. ومن الضروري توجيه الاستثمارات نحو القطاعات كثيفة العمالة وربط سياسات التعليم والتدريب المهني باحتياجات سوق العمل. وفي هذا السياق، يمكن للمناطق التنموية والصناعية أن تشكل منصات رئيسية لاستيعاب العمالة، شريطة تعزيز الحوافز الضريبية والإجرائية، وتفعيل شراكات التشغيل والإدارة مع القطاع الخاص.
كما يشكل الاستثمار الأجنبي بعدًا تكامليًا للشراكة، إذ يجلب معه التكنولوجيا والخبرات والوصول إلى الأسواق العالمية. وتعتمد جاذبية الأردن للمستثمرين الأجانب بدرجة كبيرة على حيوية الاستثمار المحلي، حيث إن ثقة المستثمر المحلي تشكل إشارة قوية للأسواق الدولية.
وفي هذا الإطار، يلعب الجهاز المصرفي الأردني دورًا محوريًا في تمويل التنمية، من خلال تصميم أدوات تمويلية مبتكرة ومتاحة للمشروعات الإنتاجية، ودعم رواد الأعمال والمشروعات الصغيرة والمتوسطة ببرامج إقراض مرنة. كما يمتلك صندوق استثمار أموال الضمان الاجتماعي قدرة كبيرة على تحفيز الاقتصاد عبر استثمارات استراتيجية في البنية التحتية والطاقة والتكنولوجيا، ما يحقق عوائد اقتصادية واجتماعية متوازنة.
ولا يكتمل نجاح الشراكة من دون إصلاح القطاع العام، إذ إن الكفاءة الإدارية وسرعة اتخاذ القرار وإنجاز المعاملات تعزز ثقة المستثمرين. كما أن إعادة هيكلة الإنفاق العام وتوجيهه نحو المشروعات الإنتاجية بدلًا من النفقات الجارية غير المنتجة، يضاعف أثر الاستثمارات الخاصة ويسرع تحقيق أهداف الرؤية.
وتثبت التجارب الدولية هذه المعادلة، فقد عززت الإمارات بيئة الأعمال عبر مناطق حرة متخصصة جذبت شركات عالمية، بينما بنت سنغافورة اقتصادًا تنافسيًا عالي القيمة من خلال شراكة استراتيجية بين القطاعين العام والخاص في الصناعات التكنولوجية والخدمات المالية.
وتظهر حصيلة السنوات الثلاث الأولى (2023–2025) من تنفيذ الرؤية تقدمًا في تحديث البنية التحتية والإطار التشريعي، وتحسنًا نسبيًا في مؤشرات الاستثمار، لكن هناك حاجة أكبر لخفض البطالة وتعزيز الابتكار. وتوفر هذه المرحلة أرضية صلبة للبناء، إذا ما تم تكثيف الربط بين المشروعات الكبرى والمناطق التنموية، وتعزيز التعاون مع الجهاز المصرفي وصندوق الضمان، وتفعيل برامج التدريب الموجهة لسوق العمل.
وفي ظل الظروف المضطربة التي يعيشها الجوار الأردني، تبقى الشراكة بين القطاعين العام والخاص أداة رئيسية للحفاظ على استقرار المركب الاقتصادي وتعزيز قدرته على مواجهة التحديات. فإذا التزم القطاع العام بالحكم الرشيد والشفافية وتوفير البيئة الممكنة، وبادر القطاع الخاص بالاستثمار والابتكار وبناء القدرات الوطنية، فإن الرؤية ستتحول من وثيقة واعدة إلى واقع اقتصادي واجتماعي ملموس يقود النمو ويحقق الازدهار المستدام.