جميل أن تستغل كل وسيلة توصلك إلى المعلومة بسرعة.. فالذكاء الاصطناعي اليوم يشبه عامل مكتبة خارق.. يبحث لك بين ملايين الرفوف في ثوانٍ.. لكنه ليس بالضرورة أن يجعلك كاتباً.. كما أن امتلاكك لمغرفة كبيرة.. لا يعني أنك أصبحت طاهياً محترفاً..

لكن الغريب.. أن بعض الوجوه التي كانت نصوصها تشبه سلطة الحروف غير المتجانسة.. صاروا بين ليلة وضحاها.. يكتبون نصوصاً.. لا أخطاء إملائية.. والتشكيل الذي يبهر النظر في مكانه.. والفواصل المنقوطة وغير المنقوطة تزيّن المنشور.. ولو قرأها العقاد.. لظن أن هناك موهبة نائمة استيقظت.. والحقيقة أنها لم تكن نائمة.. بل لم تولد أصلاً.. والذكاء الاصطناعي هو الذي كتب..

صديق قديم.. كاتب وباحث نهم.. قال لي.. أنه جرب تدقيق مقاله باستخدام الذكاء الاصطناعي.. بعد ملاحظة على بعض الأخطاء الاملائية.. فأعطاه الذكاء الاصطناعي نسخة أنيقة ومصفوفة.. حتى قال في نفسه مازحاً.. لو كان طه حسين حياً لقال ما شاء الله.. لكنه حين قرأ.. شعر أنه يقرأ شخصاً آخر.. بلا روح.. بلا بصمة.. فقال.. "هاظ مش أنا".. واكتفى بتصحيح الإملاء.. ونشر نصه كما خرج من قلبه وعقله..

المشكلة أن بعض الكُتّاب الجدد.. صاروا مدمنين على نصوص الذكاء الاصطناعي.. ولو انقطع الإنترنت يوماً.. لربما انقطعوا هم عن الكتابة.. ولو أصبح الذكاء الاصطناعي مدفوعاً.. لربما فتحوا اشتراكاً فيه.. قبل أن يدفعوا فاتورة الماء.. أو الكهرباء..

فالسؤال هنا.. ليس.. هل الذكاء الاصطناعي مفيد؟!.. بل.. هل أنتم كُتّاب فعلاً.. أم متعهدو نصوص جاهزة؟!.. وهل لو أخذنا منكم هذه اللعبة الرقمية.. ستعودون إلى سواليف الحصيدة.. التي كنتم تكتبونها على جدران الفيسبوك.. وفي مجموعات الواتس آب.. أم ستتوقف الحكاية عند آخر نص صاغه الذكاء الاصطناعي لكم؟!..