facebook
twitter
Youtube
Ammon on Apple Store
Ammon on Play Store
مواعيد الطيران
مواعيد الصلاة
rss
  • اخر التحديثات
  • الأكثر مشاهدة




أقنعة القوة: حين قاتل اليهود بالظل لا بالسيف


د. بركات العبادي
17-08-2025 03:39 PM

ملخص ورقه بحثية الجزء (1)


بعض من اسلحة الظل اليهودية عبر العصور ( وهذا جزء من الرد على التصريحات الاسرائلية بتهديد الاردن باحتلال جزء من اراضيه )

في دهاليز التاريخ البعيدة، لا تُخاض كل الحروب بالاسلحة او بالسيف، ولا تُرفع راياتها فوق الحصون والقلاع ،و ثمة أمم احترفت القتال من خلف الستار، تتسلل عبر ثغرات الوعي ، وتبني نفوذها لا على الجماجم ، بل على السرديات والذهب والمراوغة، ذلك هم اليهود، في صراعهم الطويل مع الإمبراطورية الرومانية والعقيدة المسيحية الناشئة، مثّلوا نموذجًا حيًّا لهذا النمط من الصراع غير التقليدي، ولم يكن لليهود جيوش تضاهي الفيالق الرومانية ، ولا ممالك تُقارع الأباطرة ، لكنهم امتلكوا أسلحة من نوعٍ آخر: العنف الرمزي، والسلطة الناعمة ، والتغلغل المنهجي في مفاصل الدولة والذاكرة.

أولًا: الدين كسلاح رمزي

بعد سقوط القدس عام 70م ، على يد القائد الروماني تيطس ، في نهاية الثورة اليهودية الكبرى بقيادة يهوحنان من جشالا ، خسر اليهود كيانهم السياسي، لكنهم حافظوا على نواتهم العقائدية من خلال إعادة هيكلة الفكر الديني ، فتم تدوين المشناة في القرن الثاني، ثم التلمود البابلي لاحقًا.

هذه النصوص أسست لعقيدة الانغلاق والتميّز، حيث قُدّم اليهود كشعب مختار، والأمميون – أي غير اليهود – كنجسين مخلوقين لخدمة "الشعب المقدّس". هذه المنظومة، كما يشير Israel Shahak في كتابه Jewish History, Jewish Religion: The Weight of Three Thousand Years، كانت أداة لخلق هوية مقاومة للاندماج ، ومشحونة بكراهية الآخر، خصوصًا الرومان والمسيحيين.

ثانيًا: المال أداة النفوذ والابتزاز

في ظل ضعف الكيان السياسي ، تَحوّل المال إلى وسيلة للبقاء ، بل للهيمنة غير المعلنة ، فقد برع اليهود في التجارة والمضاربات ، وكانوا من أبرز المرابين في العالم الروماني.

المؤرخ بول جونسون، في كتابه A History of the Jews (Harper Perennial, 1988)، يوضح كيف نجح اليهود في بناء شبكات مالية دولية ، ساعدتهم على تمويل النخب ، والتحكم في مفاصل الاقتصاد ، بل واستخدموا المال في أحيان كثيرة لشراء الحماية السياسية أو كأداة ابتزاز.

ثالثًا: التحالف مع الخصوم التاريخيين

في لحظة مفصلية من التاريخ، سنة 614م ، تحالف اليهود مع الإمبراطورية الفارسية بقيادة كسرى الثاني ، حين غزا بلاد الشام والقدس ، ووفق Chronicon Paschale وسبيوس الأرمني في تاريخه الكنسي ، شارك اليهود في اقتحام القدس وارتكاب مجازر ضد المسيحيين ، شملت قتل آلاف الرهبان وتدمير كنيسة القيامة.
كان ذلك ترجمة حرفية لمبدأ سياسي لطالما استخدمه اليهود: "عدو عدوي صديقي" ، وهو سلاح سياسي يعكس قدرة عالية على المناورة في سياق صراعات القوى الكبرى.


رابعًا: التغلغل في أنظمة الحكم

رغم الاضطهاد الذي واجهوه من بعض الأباطرة ، استطاع اليهود أن يتغلغلوا في الأنظمة الرومانية والمسيحية المبكرة من خلال الوظائف المالية والإدارية.
في كتابه The Jews in the Roman World، يوضح Peter Schäfer أن اليهود ظلوا يسيطرون على دوائر الضرائب والعملة في بعض المقاطعات ، كما كانوا مستشارين اقتصاديين في بلاط عدد من الأباطرة ، حتى في عهد قنسطانطين الكبير الذي أقرّ المسيحية ديانة رسمية للإمبراطورية.

خامسًا: السردية التاريخية كأداة دعائية

المؤرخ اليهودي فلافيوس يوسيفوس، الذي عاش في القرن الأول الميلادي ، تحوّل من قائد يهودي متمرد إلى مؤرخ يخدم البلاط الروماني . ففي كتابه The Jewish War ، صوّر اليهود كضحايا للبطش الروماني ، لكنه – عن قصد او من غير قصد – زرع نواة سردية "الضحية الأبدية" التي تبنتها الصهيونية لاحقًا لتبرير مشروعها الاستعماري.


ويشير Martin Goodman في كتابه Rome and Jerusalem: The Clash of Ancient Civilizations (Penguin, 2007) ، إلى أن يوسيفوس لعب دورًا جوهريًا في نقل الرواية اليهودية إلى الوعي الغربي ، مؤسّسًا لنظرة تُعفي اليهود من المساءلة وتُكرّس صورة المظلوم الدائم.

سادسًا: من روما إلى المدينة... العداء ينتقل إلى العرب والمسلمين

مع بزوغ فجر الإسلام ، تغيّر المشهد الجيوسياسي والديني جذريًا ، إذ لم يعد اليهود يواجهون إمبراطوريات وثنية أو مسيحية فحسب ، بل باتوا أمام دعوة جديدة تهدد وجودهم الديني والرمزي ، دعوة التوحيد الخالص التي أعادت رسم خريطة العلاقة بين الإنسان والسماء ، ونقضت امتياز "الاختيار الإلهي الحصري".
في المدينة المنورة، ظهر العداء جليًّا من قبائل يهودية مثل بني قينقاع وبني النضير وبني قريظة ، الذين نقضوا العهود مع النبي محمد ﷺ ، وحرّضوا قريشًا وحلفاءهم ضد المسلمين.


أما شاس بن قيس، زعيم من يهود خيبر، فكان مثالًا حيًّا على العنف الرمزي الخبيث ، إذ سعى لإشعال الفتنة بين الأوس والخزرج بعد أن وحّدهم الإسلام ، محاولًا بعث النعرات القبلية لإضعاف المشروع الإسلامي الناشئ ، هذه المحاولة تشبه كثيرًا ما فعله اليهود سابقًا حين غذّوا الصراعات بين الرومان والمسيحيين الأوائل.

وفي معركة الخندق، تحالفت بنو قريظة مع الأحزاب ضد المدينة ، فيما يشبه إعادة إنتاج لنموذج التحالف مع كسرى ضد النصارى ، لكن هذه المرة ضد العرب المسلمين ، في محاولة لطعن الأمة من الداخل في لحظة حاسمة.

لم يكن عداؤهم للإسلام عداءً دينيًّا فقط، بل صراعًا وجوديًا على السردية ، إذ جاء الإسلام ليقول :إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ"فنقض بذلك فكرة "الشعب المختار"، واستبدلها بمبدأ الاستحقاق الأخلاقي والعقائدي، و لاحقًا، في التاريخ الإسلامي الوسيط، شارك بعض اليهود في التحالفات الصليبية أو الفاطمية المعادية للدولة العباسية والأموية ، وبرزوا في فترات الضعف كأدوات لاختراق الأنظمة ، إما من خلال المال أو العلاقات السرية أو الوظائف الإدارية ، كما حصل في الأندلس والمغرب الإسلامي.

أما في العصر الحديث ، فقد تَجسّد هذا العداء في المشروع الصهيوني الاستعماري ، الذي لم يأتِ لمجرد "إنشاء وطن قومي"، بل لنسف الهوية العربية ، واحتلال الجغرافيا وتزييف الذاكرة ، وشيطنة كل ما هو إسلامي وعربي ، ومثلما استُخدم المال والدعاية والسرديات في روما والقدس ، استخدمت الصهيونية اليوم أدوات الإعلام العالمي ، واللوبيات الاقتصادية ، والاختراق الأكاديمي ، لتشويه صورة العرب والمسلمين ، وتبرير جرائمها بحقهم باسم "الحق التاريخي" و"المظلومية الأبدية".


وفي الخاتمة لقد بين يهوحنان وتيطس ، وشاس بن قيس، وبن غوريون، ونتن ياهو ، تتشكل خريطة من العداء الممنهج ، لا ضد حضارة بعينها ، بل ضد كل مشروع يهدد الاحتكار الرمزي للتاريخ والقداسة ، واليهود لم يكتفوا عبر التاريخ بالهروب من الجغرافيا ، بل سعوا دومًا للهيمنة على الوعي ، ومن الرومان إلى النصارى ، ومن العرب إلى المسلمين ، لم يتغير جوهر المعركة : السيطرة على المعنى ، واختراق السرديات ، وإعادة تشكيل وعي العالم بأكمله من خلال منظار "الضحية التي لا تُسأل".

وإذا كان الإسلام قد قدّم أول منظومة مقاومة ضد هذا النوع من العنف الرمزي، فإن الأمة اليوم بحاجة إلى تجديد الوعي لا الخطاب فقط ، وإلى تفكيك الأساطير لا مجرد الرد عليها ، فـ"أقنعة القوة" لا تُنتزع إلا بكشف وجهها الحقيقي ، وهذا بأعتقادي هو الرد المناسب على تصريحات رئبس حكومة اسرائيل ووزير ماليتة و اليمن المتطرف في عصابة الكيان الاسرائيلي .

حمى الله الاردن و سدد على طريق الحق خطى قيادته وشعبه .





  • لا يوجد تعليقات

تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة عمون الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة عمون الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم : *
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق : *
بقي لك 500 حرف
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :