كيف لفسيفساء الآراء في الوطن أن تكون .. بناءٌ يَجمعنا .. أو صدعٌ يُفرقنا؟! ..
محمود الدباس - أبو الليث
23-08-2025 05:04 PM
الاختلاف في الوطن.. لا على الوطن.. ليس خصومة.. ولا صراع كسر عظم.. بل قيمة كبرى إذا صحّ مسارها.. تحولت إلى طاقة بناء.. وإن انحرفت.. صارت معول هدم.. فالوطن في جوهره لا يقوم برأي واحد.. بل يحتاج إلى فسيفساء أفكار تتكامل وتتناغم.. غير أن هذا التكامل لا يتحقق.. إلا إذا كان الهدف الأسمى هو المصلحة العامة.. لا المصالح الشخصية.. ولا الأجندات الخارجية..
المعارضة الحقيقية لا تقاس بالصخب.. ولا بعلوّ الشعارات.. بل بما تقدمه من نقد مسؤول.. يضع البدائل الواقعية.. ويبحث عن الإصلاح.. ويقيس نجاحه بمدى خدمته للوطن.. لا بمدى إفشاله للآخرين.. أما المعارضة التي تتكئ على الخارج.. أو على مصالحها الذاتية.. فهي تفريط بالوطن وثوابته..
الحوكمة الرشيدة.. والشفافية.. هما الضمانة الكبرى.. فحين تتسع صدور جميع المؤسسات.. الرسمية والمدنية على حد سواء.. للحوار.. وتُضمن العدالة في الاستماع.. تتحول الخلافات إلى فرصٍ للتطوير.. لا ساحاتٍ للتناحر.. أما إذا غابت العدالة.. وملأ الصخب المكان.. فإن فسيفساء الآراء تتحول من لوحة جميلة.. إلى صدع يفرق الوطن..
التنازل عن موقف شخصي لصالح الوطن.. ليس ضعفاً.. بل قمة القوة.. لأن العاقل لا يبحث عن نصر عابر يرضي غروره.. وإنما يسعى إلى وطن متماسك.. يحفظ كرامة الناس.. وأمان الأجيال.. وهنا تظهر الحاجة الملحة إلى ثقافةٍ.. تؤكد أن الرأي المخالف.. قد يكون طريقاً للنجاة.. وأن غاية الحوار خدمة الوطن.. لا تسجيل الانتصارات..
فلنختلف بأدب.. ونعارض بصدق.. ونضع الوطن في المقدمة دائماً.. لأن الأوطان.. لا تُبنى بالصوت الأعلى.. ولا بالعناد الأشد.. بل بالعقل الذي يحسن الإصغاء.. وبالقلب الذي يقدم مصلحة الجماعة على نزوات الفرد.. فإذا وصلنا إلى هذا المستوى.. صار اختلافنا زاداً للمستقبل.. لا عبئاً يثقل الحاضر.. وأضحى الوطن لنا جميعاً.. أوسع من أي خلاف.. وأبقى من كل صدعٍ محتمل..