نصف العلم يُكتب بالإنجليزية .. فهل سندخل السباق بساقٍ واحدة؟! ..
محمود الدباس - أبو الليث
28-08-2025 02:22 PM
في لحظة تاريخية.. تشهد فيها الثانوية العامة الأردنية تحوّلاً جذرياً.. من عامٍ واحد.. إلى عامين.. ومن مناهج عامة.. إلى مساراتٍ متخصصة.. يطفو على السطح سؤال جوهري.. كيف غاب عن واضعي المتطلبات.. أن بعض الحقول العلمية.. والهندسية.. وحتى القانونية.. تعتمد على الإنجليزية بشكل أساسي في دراستها الجامعية.. وفي ممارستها المهنية بعد التخرج.. بينما تم التعامل معها.. على أنها خيار ثانوي؟!.. أمر واضح للعيان ولا يختلف عليه اثنان.. ومع ذلك غاب عمن صاغوا بنية المسارات.. وسأخصص الحديث فقط عن اللغة الانجليزية ولن اتطرق لباقي المتطلبات وضرورتها من عدمها في كامل المسارات.
الطالب الذي يسلك طريق الحقل العلمي التكنولوجي.. أو الحقل الهندسي.. سيجد نفسه في الجامعة أمام كتب مقررة ومراجع ومصادر بحث.. كلها تقريباً باللغة الإنجليزية.. فكيف نقبل أن يدخل هذا الطالب سباق المعرفة بساقٍ واحدة.. يلهث بين ترجمة متأخرة.. وبين مصطلحاتٍ وشروحاتٍ لم يألفها؟!.. أليست النتيجة المتوقعة.. هي فجوة معرفية.. تعيق تقدمه منذ اللحظة الأولى؟!
خذ مثالاً طالب الهندسة.. الذي سيعتمد في دراسته على برمجيات معقدة.. وكتالوجات تشغيل لأنظمة وأجهزة حديثة.. كلها مصاغة بالإنجليزية.. أو طالب علوم الحاسوب والذكاء الاصطناعي.. الذي يواجه مجتمعاً أكاديمياً ومهنياً.. لا يتحدث إلا بها.. كيف له أن ينافس.. وهو يفتقد أساس اللغة التي تُكتب بها أحدث علوم العصر؟!.
وليس الأمر مقصوراً على العلوم والهندسة.. فحتى القانون.. الذي قد يبدو علماً محلياً.. يجد المحامي نفسه في لحظة ما.. أمام اتفاقيات دولية.. أو عقود مع شركات أجنبية.. أو حتى نصوص مقارنة من قوانين أوروبية.. أو أنجلوسكسونية.. وكلها مكتوبة بالإنجليزية.. هنا لا تعود اللغة مسألة ترف.. أو برستيج.. بل أداة من أدوات المهنة.. وخطأ في الترجمة.. قد يغيّر مصير قضية بأكملها..
ما بعد الجامعة أيضاً.. يكشف الحقيقة بوضوح أكبر.. فالخريج الذي يدخل سوق العمل.. سيجد المؤتمرات العلمية.. والدورات التدريبية.. والاجتماعات الدولية.. والتقارير المتبادلة بين الشركات.. كلها مشبعة بالمصطلحات الإنجليزية.. إن لم تكن كلها.. ولن يجد مَن ينتظره ليترجم.. فالعالم لا يتوقف حتى يواكب هو..
من هنا تصبح اللغة الإنجليزية ضرورة حياتية.. وليست مادة تكميلية.. هي أشبه بجواز سفر للعلم والعمل.. بدونها يبقى الطالب سجين حدوده الضيقة.. وبها ينطلق ليكون شريكاً في المعرفة.. لا مجرد متلقي لها..
المطلوب إذاً.. أن نعيد النظر في بنية المناهج.. بحيث تصبح الإنجليزية متطلباً أساسياً في الحقول العلمية.. والهندسية.. والقانونية.. لا عبئاً إضافياً.. بل استثماراً في قدرة الطلبة على المنافسة.. فالمعادلة بسيطة.. إن أردنا جيلاً قادراً على اللحاق بركب التطور.. علينا أن نزوده بأدواته.. وأول هذه الأدوات.. اللغة التي يُكتب بها نصف العلم.. والنصف الآخر يُترجم منها متأخراً..
فهل سنظل نُدرّس أبناءنا الإنجليزية.. كقواعد وامتحانات.. أم سنجعلها سلاحهم للدخول إلى معارك المعرفة.. حيث لا مكان إلا للأقوى والأقدر؟!..