facebook
twitter
Youtube
Ammon on Apple Store
Ammon on Play Store
مواعيد الطيران
مواعيد الصلاة
rss
  • اخر التحديثات
  • الأكثر مشاهدة




إلى متى يبقى الفقر خارج دائرة الاهتمام؟


د. حمد الكساسبة
30-08-2025 07:23 PM

كيف يمكن لأي دولة أن تخطط لسياساتها الاجتماعية والاقتصادية من دون أن تعرف عدد الفقراء بين مواطنيها؟ هذا السؤال يفرض نفسه في الأردن، حيث لم تُنشر بيانات محدثة عن الفقر منذ عام 2010. غياب الأرقام لا يعني أن المشكلة غير موجودة، بل يكشف عن ضعف الاعتراف بها، وكأن الفقر قضية ثانوية يمكن تأجيلها إلى أجل غير مسمى.

هذا الغياب لا ينفصل عن الواقع الاقتصادي العام. فمنذ عام 2011 لم يتجاوز النمو الحقيقي 3%، وهو معدل بالكاد يواكب الزيادة السكانية، ما أدى إلى تراجع نصيب الفرد من الناتج المحلي، واتساع الفجوة الاجتماعية، وانكماش الطبقة الوسطى. وفي ظل ارتفاع البطالة فوق 21% وغياب سياسات قادرة على توليد وظائف منتجة ومستدامة، أصبح الفقر نتيجة طبيعية لا مجرد أزمة عابرة.

ورغم أن الرؤية الاقتصادية الأردنية والاستراتيجيات الاجتماعية المرتبطة بها تطرقت بشكل غير مباشر إلى قضايا الفقر من خلال التركيز على التشغيل، وتحسين نوعية الحياة، وتمكين الفئات الهشة، إلا أن التحدي الأبرز يظل في غياب بيانات محدثة وشفافة عن حجم الفقر وأبعاده. فوجود برامج ومبادرات أمر إيجابي، لكن غياب الأرقام الدقيقة يضعف من قدرة المجتمع والباحثين وصانعي القرار على تقييم أثر هذه الجهود وقياس مدى نجاحها. ومن هنا تبدو الحاجة ملحّة لمواءمة السياسات المعلنة مع شفافية أكبر في الإفصاح الدوري عن النتائج.

وعلى صعيد آخر، لم يعد الفقر في الأردن مجرد نقص في الدخل، بل تحول إلى ظاهرة متعددة الأبعاد. فهو يحرم الأسر من التعليم الجيد والرعاية الصحية والسكن اللائق، ويقلص من فرص الشباب والنساء في المشاركة الاقتصادية. غير أن السياسات المحلية ما زالت بعيدة عن تبني منهجية "الفقر متعدد الأبعاد" المعمول بها دوليًا، وهو ما يبقي معاناة شرائح واسعة من المجتمع خارج الحسابات الرسمية.

وفي هذا السياق، يتضح أن الفقر يعيد إنتاج نفسه عبر الأجيال. فأبناء الأسر الفقيرة يواجهون فرصًا محدودة في التعليم والعمل، ما يجعلهم أسرى لحلقة مفرغة تتكرر بمرور الزمن. وهنا تبرز أهمية الاستثمار في التعليم النوعي والتدريب المهني، باعتبارهما السبيل الأنجع لكسر دائرة الفقر وتمكين الشباب من تحسين أوضاعهم.

كما أن التفاوت الجغرافي يضيف بُعدًا آخر للمشكلة. فالمحافظات البعيدة عن العاصمة تعاني معدلات فقر أعلى بسبب ضعف البنية التحتية وقلة الاستثمارات. وزاد ضغط اللجوء على هذه المناطق، فازدادت هشاشة الأسر الفقيرة، في حين بقيت السياسات التعويضية محدودة وغير كافية.

ومن جهة أخرى، تُظهر المرأة وضعًا مزدوجًا. فهي الأكثر عرضة للهشاشة الاقتصادية، لكنها أيضًا مفتاح أساسي للحل. فتمكينها من المشاركة في سوق العمل يرفع دخل الأسرة، ويزيد الإنتاجية، ويعزز النمو الوطني. وتجارب عدة أثبتت أن دعم مشاركة المرأة يؤدي مباشرة إلى تقليص معدلات الفقر.

وإذا ما نظرنا إلى الكلفة الاقتصادية والاجتماعية للفقر، نجد أنها باهظة. فالفقر يضعف الإنتاجية، ويرفع كلفة الدعم الحكومي، ويقوض ثقة المواطنين بالمؤسسات. بل إن له انعكاسات أمنية، حيث يرتبط بارتفاع معدلات الجريمة والتوترات المجتمعية، ما يجعله تهديدًا مباشرًا للاستقرار. كما أن استمرار الفقر يولد لدى الشباب إحباطًا قد يدفعهم إلى الهجرة أو الانعزال عن المشاركة الاقتصادية، وهو ما يحرم البلاد من طاقاتها المستقبلية.

وعلى صعيد البيئة، يزداد الوضع تعقيدًا. فشح المياه والتصحر وارتفاع أسعار الغذاء تضرب الفقراء أولًا. غير أن الاستثمار في الاقتصاد الأخضر والطاقة المتجددة والزراعة الحديثة يمكن أن يحول هذه التحديات إلى فرص تنموية توفر وظائف جديدة وتقلل التبعية للاستيراد.

أما التجارب الدولية، فتوضح أن النجاح يبدأ من الشفافية. ففي البرازيل، ساهم برنامج "بولسا فاميليا" في خفض الفقر بفضل الجمع بين الدعم النقدي المشروط وتحسين التعليم والصحة. وفي المغرب، قلصت المبادرة الوطنية للتنمية البشرية الفوارق بين المدن والقرى. أما جورجيا فقدمت نموذجًا متقدمًا في نشر بيانات الفقر عبر منصة وطنية محدثة سنويًا.

وفي الأردن، ورغم غياب الإحصاءات الرسمية، تشير التقديرات البحثية المستقلة إلى أن الفقر يتجاوز 20%. وهذه النسبة لا تعكس نقص الدخل فقط، بل تراجع جودة الحياة واتساع القلق الاجتماعي. ومن هنا تأتي الحاجة إلى إنشاء مرصد وطني للفقر والعدالة الاجتماعية يعمل باستقلالية وشفافية، ويصدر بيانات مفتوحة المصدر بشكل دوري. كما أن برامج الدعم، مثل صندوق المعونة الوطنية، ستظل محدودة الأثر ما لم تُدمج ضمن رؤية وطنية شاملة تنقل الأردن من الرعاية المؤقتة إلى التمكين المستدام، وتنسجم مع أهداف التنمية المستدامة التي التزمت بها المملكة دوليًا.

إن الفقر ليس مجرد رقم في التقارير الاقتصادية، بل قضية تمس كرامة الناس واستقرار المجتمع. وكل تأخير في مواجهته هو إضعاف للثقة وتأجيل للاستقرار. ومن ثم فإن وضع الفقر في دائرة الاهتمام الوطني لم يعد خيارًا، بل ضرورة حتمية لضمان مستقبل أكثر عدالة وإنصافًا لجميع الأردنيين.





  • لا يوجد تعليقات

تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة عمون الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة عمون الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم : *
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق : *
بقي لك 500 حرف
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :