خطة ينون: مخطط الحرب على أوهام الوحدة العربية الجزء(5)
د. بركات النمر العبادي
30-08-2025 07:29 PM
في شباط/فبراير 1982، ظهر مقال قصير في مجلة عبرية متخصصة في الفكر السياسي تدعى Kivunim، كتبه أوديد ينون ، ليحمل عنوانًا أثار الكثير من الجدل: «استراتيجية لإسرائيل في الثمانينيات». في ظاهر الأمر، كانت الورقة تحليلاً استراتيجيًا للوضع الإقليمي ، لكن في قراءات لاحقة ، وخاصة في العالم العربي ، تحولت إلى ما سُمّي بـ«خطة ينون» ، رؤية جيوسياسية لتفكيك الدول العربية إلى كيانات أصغر على أسس طائفية وعرقية ، بما يضمن لإسرائيل تفوقًا إقليميًا طويل الأمد (Yinon, 1982).
جوهر الخطة وأهدافها
تقوم خطة ينون على مجموعة أفكار محورية:
1.تفكيك الدول العربية الكبرى: بدءًا من لبنان كنموذج للتجزئة ، ثم تعميم التجربة على سوريا والعراق ومصر، بهدف إضعاف القدرة على تشكيل تهديد موحد لإسرائيل (Shahak, 1982).
2.استثمار الانقسامات الداخلية: تحويل التوترات العرقية والطائفية إلى أدوات سياسية وأمنية لصالح إسرائيل.
3.إعادة رسم الجغرافيا السياسية: جعل كل دولة عربية كيانًا مجزأً وغير قادر على التأثير الإقليمي.
المراحل الزمنية وما تحقق منها:
في عام 1982 نشر المقال بالتزامن مع اجتياح لبنان ، حيث كان البلد يعيش حربًا أهلية عكست نموذج «الدولة المنقسمة» الذي تحدثت عنه الخطة (MERIP K ), 1982
ومن عام (1982-1990) استمرار انهيار البنية المركزية في لبنان ما اعتُبر «تحققًا عمليًا» جزئيًا للرؤية.
عام 2003غزو العراق وما تلاه من تفكك أمني وصعود الهويات المذهبية والإثنية ، مع بروز إقليم كردستان ككيان شبه مستقل ، وهو ما يشبه ما ورد في خطة ينون.
عام 2011 بد|أت الحروب الأهلية في سوريا واليمن وليبيا ، حيث انقسمت الجغرافيا السياسية إلى سلطات محلية متنازعة ، مما أعاد إلى الواجهة الخطاب المتعلق بـ مشاريع التفكيك .
وترتبط خطة ينون فكريًا بمفهوم «إسرائيل الكبرى» الذي يهدف لضمان تفوق استراتيجي دائم عبر مزيج من القوة العسكرية وتفتيت الخصوم (Cook, 2009). كما يرى بعض المحللين أن سياسات غربية ، خاصة بعد 2003 ، خدمت – بوعي أو بدون وعي – هذه الرؤية عبر إضعاف الجيوش المركزية العربية وتعزيز الكيانات المحلية MERIP, 2013.
و يؤكد العديد من الباحثين أن «خطة ينون» ليست وثيقة حكومية ملزمة بل تحليل شخصي ، لكن تقاطعاتها مع أحداث لاحقة جعلتها مادة خصبة في النقاشات السياسية، كما يشير المؤرخون إلى أن التشابه بين النص والأحداث لا يثبت بالضرورة علاقة سببية مباشرة ، إذ تتداخل عوامل محلية ودولية معقدة في صناعة التاريخ (Passia, 2009).
في زمن اغبر وكأن الخرائط في الشرق الأوسط تُرسم على طاولات الشاي ، بخطوطٍ مائلةٍ وممحية ، بين من يرى في التفكيك مشروعًا استراتيجيًا ، ومن يجربه كهواية جيوسياسية! و خطة ينون ، سواء كانت نبوءة أم خيالًا سياسيًا ، كشفت أن أخطر الحروب تبدأ على الورق ، وأن الشعوب تدفع ثمن حبرٍ لم يجف بعد ، و يا للسخرية حين يتحول تقسيم الأوطان إلى «مشروع» بينما الوحدة تصبح «حلمًا» مؤجلاً ، تمامًا كما تُؤجل الوعود في نشرات الأخبار المسائية.
حمى اللة الاردن و سدد على طريق الحق خطى قيادته وشعبه .