facebook
twitter
Youtube
Ammon on Apple Store
Ammon on Play Store
مواعيد الطيران
مواعيد الصلاة
rss
  • اخر التحديثات
  • الأكثر مشاهدة




الجنسية الرقمية… بين كلمة مرور وهوية وطن


د. أميرة يوسف ظاهر
31-08-2025 10:36 AM

لم يعد التعليم اليوم مجرد تلقين معرفي في غرفة صفية تقليدية، لقد أصبح فضاء واسعا يتجاوز حدود الجدران والكتب إلى عالم رقمي متشابك يتطلب وعيا وسلوكا جديدين، وفي هذا الإطار يبرز مفهوم المواطنة الرقمية كضرورة تربوية ملحة، تعكس الانتماء إلى الفضاء الرقمي بما يحمله من محتوى ينتجه أبناء وبنات الوطن ومؤسساتهم، ومختلف المكونات الاجتماعية والسياسية والثقافية، فالمواطنة الرقمية أشبه بـ جنسية رقمية، وهي بمثابة وطن افتراضي يتسع للجميع، وكل من ينتمي ويشارك فيه يعد مواطنا رقميا له حقوق وعليه واجبات.

وتقوم المواطنة الرقمية على جملة من الحقوق والواجبات والسلوكيات التي ينبغي على الفرد الالتزام بها عند التعامل مع الفضاء الرقمي، فهي تشمل الأمان والخصوصية وحماية الهوية الرقمية واحترام البيئة الرقمية، فضلا عن مراعاة الصحة النفسية والجسدية الناتجة عن الاستخدام المتوازن للتكنولوجيا، كما أنها ترتبط ارتباطا وثيقا بالقيم الأخلاقية: كالصدق واحترام الآخر والمساهمة الإيجابية في إثراء المحتوى الرقمي المحلي والعالمي، فالمواطنة الرقمية تجمع بين المعرفة التقنية وبين سلوكيات وأعراف وقيم يعيشها الفرد في العالم الافتراضي كما يعيشها في العالم الواقعي.

والسؤال المهم: كيف يكون التعليم من أجل المواطنة الرقمية؟ والإجابة تبدأ من المدرسة باعتبارها الحلقة الأولى في بناء وعي الطلبة، بتمكينهم من مهارات الحماية الذاتية في العالم الافتراضي، وإكسابهم القدرة على الاستخدام الإيجابي للتكنولوجيا، إلى جانب الالتزام بالقيم الأخلاقية أثناء التفاعل مع المحتوى الرقمي، كما يتجسد هذا التعليم في ترسيخ الصدق والشفافية واحترام الآخرين، وغرس ثقافة التفكير النقدي التي تساعد الطلبة على تمييز المعلومة الصحيحة من الزائفة، خصوصا مع تحديات مثل الأخبار المضللة أو الديب فيك، والمدرسة مطالبة اليوم بأن تدخل المواطنة الرقمية في أنشطتها الصفية واللامنهجية على حد سواء، وأن تدرب الطلبة على التفكير النقدي والتعاون عبر المنصات الرقمية.

إن التعليم من أجل المواطنة الرقمية يتعدا الصفوف الدراسية ويمتد ليعزز العلاقة بين المدرسة والمجتمع، فالمعلمون وأولياء الأمور شركاء في توجيه سلوك الأبناء في الفضاء الرقمي، بما يحقق الاستخدام الآمن والمسؤول للتكنولوجيا، ويساهم في تنمية جيل قادر على مواجهة تحديات العصر بثقة وحكمة، من خلال عقد شراكات مجتمعية ومبادرات توعوية، مثل ورش عمل بعنوان كيف تتحقق من صحة خبر على واتساب؟ أو مبادرات عملية مثل مشروع "السفير الرقمي" إذ يتولى أحد الطلبة تدريب زملائه على حماية أنفسهم من الاستغلال الإلكتروني.

ومن الأهداف الأساسية لهذا التعليم حماية الطلبة من التنمر والاستغلال الإلكتروني، وتنمية وعيهم النقدي وتعزيز مشاركتهم الإيجابية في المجتمعات الرقمية، وبناء وعي جماعي يحافظ على الهوية الوطنية في ظل الانفتاح العالمي، ويشجع على الإبداع والابتكار في توظيف التكنولوجيا لخدمة الاقتصاد والمجتمع، مما يشكل انسجاما مع حاجة المجتمعات الحديثة إلى مواطن رقمي قادر على الموازنة بين الحرية الرقمية والالتزام بالمسؤولية؛ فهو أشبه بمن يقود مركبة في مدينة بلا قوانين مرور، فإما أن يسير بفوضى وإما أن يتحلى بالوعي والانضباط.

وفي الأردن شرعت وزارة التربية والتعليم في إدماج مفهوم المواطنة الرقمية ضمن رؤيتها المستقبلية، انطلاقا من إدراكها أن التعليم تجاوز القاعة الصفية التقليدية إلى فضاءات رقمية أوسع، وتسعى الوزارة من خلال خطة ممنهجة وطويلة الأمد، إلى تطوير مناهج جديدة تعنى بتمكين الطلبة من دخول العصر الرقمي والتعامل معه بصورة واعية وإيجابية، فهذه الخطة لا تستهدف تزويد الطالب بالمعارف التقنية وحسب، بل إلى إعداد جيل قادر على الاستخدام المسؤول للتكنولوجيا، بما ينعكس على تعزيز الاقتصاد الوطني، ودعم التحول نحو مجتمع معرفي متطور يرتكز على الإبداع والابتكار، ويواكب المتغيرات المتسارعة في العالم.

إن التعليم من أجل المواطنة الرقمية عقد اجتماعي جديد نعيشه كل يوم، وهو ركيزة أساسية لمستقبل التعليم في الأردن والعالم، كما يشكل جسرا يربط بين المعرفة والقيم، وبين التقنية والهوية، ليصوغ جيلا رقميا واعيا ومسؤولا يسهم في بناء وطن أكثر قوة وتماسكا في الفضائيين الواقعي والافتراضي معا؛ وبهذا يكون التعليم وسيلة لنقل المعرفة ولتشكيل شخصية مواطن رقمي يتحلى بالقيم، ويستخدم التقنية بوعي ويشارك بفاعلية في بناء وطنه، ويواكب تحديات المستقبل بعقلية منفتحة ومسؤولة.





  • لا يوجد تعليقات

تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة عمون الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة عمون الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم : *
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق : *
بقي لك 500 حرف
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :