ما بين الامتناع والتعثر .. هل في الإعدام المدني الحل؟!
محمود الدباس - أبو الليث
31-08-2025 11:35 AM
عندما يتحدث البعض عن العقوبات البديلة.. وعن حبس المدين تحديداً من عدمه.. نجد أن المسألة أعقد من أن تختصر بقرار مع.. أو ضد.. فالحبس في بعض الحالات.. كان طريقاً لإجبار المدين على السداد.. وفي حالات أخرى.. كان عائقاً أمام السداد ذاته.. لأن المدين إذا سُجن.. تعطلت أعماله وتوقف حاله.. ولم يعد قادراً على توليد النقد.. وبالتالي فإن الدائن نفسه.. لن يستفيد شيئاً..
القضية الجوهرية إذن ليست في الحبس.. ولا في العقوبات البديلة.. وصولاً إلى ما يسمى بالإعدام المدني.. بل في التمييز بين حالتين متمايزتين.. مدين قادر.. وممتنع.. يملك المال.. لكنه يماطل ويُراوغ.. ومدين متعثر.. وقع عليه ظرف قاهر خارج عن إرادته..
والعدل يقتضي.. أن لا نضع الاثنين في كفة واحدة.. فالممتنع يمارس ظلماً مقصوداً.. يستحق الردع.. والمتعثر يحتاج إلى معالجة إنسانية.. تراعي أسرته.. وتحفظ كرامته..
وهذا ما أشار إليه الشرع الحنيف.. حين قال النبي صلى الله عليه وسلم "مطلُ الغني ظلم".. أي أن الغني.. إذا ماطل بالدَّين.. كان فعله ظلماً وعدواناً.. بينما أمرنا الشرع.. بإمهال المعسر رحمةً به.. بل وحث على إعانته إن أمكن.. ومن هنا كان لزاماً على الدولة.. أن تُنشئ آليات واضحة.. للتفريق بين الغني المماطل.. والمعسر الحقيقي..
الإعدام المدني بوسائله المختلفة وتدرجاتها.. من القيود المالية والإدارية.. ومنع السفر.. ووقف بعض المعاملات الرسمية.. قد يكون أداة ناجعة لردع الممتنع.. لكنه إذا طُبق بذات الصرامة على المتعثر.. فإنه يتحول إلى ظلم جديد.. يفاقم الأزمة الاجتماعية والاقتصادية.. ويضيف عبئاً على الدولة والمجتمع.. بدلاً من أن يحل المشكلة..
ولنا في تجارب بعض الدول نماذج يمكن أن نستلهم منها حلولاً وسطية.. فبعضها أنشأ صناديق ضمان.. لمساعدة المتعثرين الحقيقيين.. فيما اعتمدت أخرى على التصنيف الائتماني.. لتحديد مَن هو المماطل.. ومَن هو المعسر.. وبهذا تم حماية الدائنين.. دون سحق المدينين..
أما في حالتنا الأردنية.. فإن الظرف الاقتصادي الدقيق.. وارتفاع نسب البطالة.. يضاعف الحاجة إلى أن تتحمل الحكومة.. دوراً إيجابياً تجاه المتعثرين.. ليس فقط برفع العقوبات.. بل بفتح أبواب عمل جديدة.. أو برامج تدريب.. وإعادة تأهيل.. تمكنهم من توليد الدخل.. فالمتعثر لا يحتاج إلى قيود تشل حركته.. بل إلى فرصة تحفظ كرامته.. وتمنحه القدرة على الإيفاء بما عليه..
وعليه.. فإن المطلوب من صانع القرار.. أن يضع تشريعاً واضحاً.. يُميز بدقة.. بين المدين الممتنع.. والمدين المتعثر.. فيجعل الإعدام المدني وسيلة رادعة للمماطل.. الذي يملك ولا يسدد.. ويحول دون تحويله إلى سوط مسلط على المعسر.. الذي يبحث عن مخرجٍ.. فلا يجد.. مع إلزام الحكومة بالقيام بدورها.. في توفير فرص العمل.. وإعادة دمج هؤلاء المتعثرين في الدورة الاقتصادية.. لأن العدالة.. لا تكتمل بعقوبة مجردة.. وإنما تكتمل.. حين تُرَد الحقوق.. وتُصان الكرامات.. ويستقر المجتمع..