فن المبيعات .. بوابة للمستقبل
هاني الدباس
03-09-2025 05:34 PM
في الأردن، حيث تزداد معدلات البطالة وتتسع الفجوة بين مخرجات التعليم واحتياجات السوق، يبرز فن المبيعات كأحد أهم الحلول العملية لتوفير فرص عمل حقيقية للشباب.
المبيعات لم تعد مجرد وظيفة عابرة أو مهنة هامشية، هي اليوم أداة تنموية قادرة على تحريك عجلة الاقتصاد، إذ لا يوجد قطاع واحد يمكنه الاستغناء عن بائع محترف يعرف كيف يقدم المنتج ويقنع العميل ويغلق الصفقة.
أبرز ما يميز المبيعات أنها تقيس الجهد بالنتيجة، لا بالوقت، مما يمنح الشاب فرصة التقدم المضطرد في مساره المهني كلما أثبت كفاءته. هنا يكمن الفرق بين المكاتب التقليدية التي تحصر الموظف في ساعات العمل الثابتة ومحدودية الدخل ، وبين عالم المبيعات الذي يفتح آفاقاً ارحب لدخلٍ مجزٍ يرتبط ارتباطاً طردياً بالكفاءة والمهارة .
في السوق الأردني يمكن للمبتدئ أن يحقق دخلاً خلال أشهر قليلة، بينما يصل المحترف إلى مستويات دخلٍ اعلى بكثير من متوسط الرواتب في الوظائف المكتبية، خاصة في قطاعات التقنية والخدمات المالية والسياحة.
على الرغم من هذه المزايا، ما زالت الشركات في الأردن تعاني من نقص حاد في الكفاءات المؤهلة للعمل في قطاع المبيعات فالجامعات تواصل تخريج آلاف الطلبة في تخصصات نظرية، بينما السوق يحتاج أشخاصاً يمتلكون مهارات عملية تتسم بالموهبة والمهارة قابلة للقياس مثل التفاوض، وقراءة احتياجات العميل، وإدارة الاعتراضات، والمتابعة بعد البيع. هذا التباين خلق فجوة تتسع ، يمكن سدها من خلال مؤسسات تدريب متخصصة تعمل على إعداد جيل جديد من البائعين المحترفين.
على هذه المؤسسات أن تركز على الجوانب العملية، بدءاً من فهم المنتج وبناء قصته، مروراً بأساسيات التسويق وإدارة قنوات البيع، وصولاً إلى مهارات التفاوض والإغلاق.
ولا ينبغي أن يقتصر التدريب والتأهيل على قاعات المحاضرات، بل لا بد أن يتضمن ورشات ميدانية، ومحاكاة لمحادثات ولقاءات فعلية، وزيارات للعملاء تحت إشراف مدربين محترفين في اليات السوق وفنون التفاوض ، بل ان الجامعات نفسها يمكن أن تلعب دوراً جوهرياً إذا أدرجت مواد عملية في خططها الدراسية، وقدمت لمسارات دبلوم قصيرة على مدى بضعة أشهر تفتح أمام الطلبة طريقاً مهنياً مباشراً إلى سوق العمل.
ومع دخول الذكاء الاصطناعي إلى عالم التسويق والمبيعات، أصبح بالإمكان مضاعفة إنتاجية البائع بشكل ملحوظ، فالأنظمة الذكية قادرة على تحليل بيانات العملاء المحتملين، وصياغة رسائل أولية، وتلخيص المحادثات والاجتماعات، بل وحتى توقع نسب إتمام الصفقات.
ان دور الذكاء الاصطناعي لا يمكن ان يكون بديلاً عن البائع، بل داعماً له، بحيث يبقى العنصر البشري هو الاساس، بينما تتولى التكنولوجيا إدارة الخلفية وتحليل الأرقام.
إذا ما نُفذت هذه الرؤية بشكل متكامل، فإن الأردن قادر على خلق منظومة مبيعات وطنية تبدأ من قاعات الجامعات وتنتهي بشركات كبرى يقودها بائعون محترفون. والنتيجة المتوقعة ليست فقط الحد من البطالة، بل رفع تنافسية الاقتصاد الأردني نفسه ، إذا آمنا ان المبيعات ليست مجرد وسيلة لتحقيق الدخل الفردي، بل محركٌ أساسي للنمو، لأنها تعني تدفق الأموال، وزيادة الاستهلاك، وتوسيع قاعدة الأعمال.
نحن في امس الحاجة اليوم، إلى أن يُنظر إلى وظيفة المبيعات كخيار وطني استراتيجي، لا مجرد عمل جانبي.
ولكن لى الشباب اليوم أن يدرك أن كرامة المهنة لا تقاس بالمكتب أو الكرسي الثابت، بل بالقدرة على خلق القيمة، وتحويل الكلمات إلى أرقام، والجهد اليومي إلى دخل ملموس.
حين يصبح البائع المحترف قدوة، لن تبقى المبيعات مهنة ثانوية، بل ستتحول إلى رافعة اقتصادية تعيد رسم المشهد المهني وتوسيع قاعدة فرص والخروج من الصور المغلوطة لسوق المهن لتفتح آفاقاً أوسع لمستقبل أفضل.