لم يعد المعلم ذلك الرمز المهيب الذي كان عليه في الماضي، لم يعد القدوة الأخلاقية قبل ناقل المعلومة. تحاصره القوانين والأنظمة من كل جانب، فتقلصت صلاحياته حتى أصبح مجرد موظف يدخل الفصل ليشرح درسه ثم يغادر.

اليوم، المُعلم ممنوع من الضرب وممنوع من التوبيخ القاسي، وممنوع حتى من لمس الطالب لتهدئته أو منعه من خطأ ما. هذه القوانين التي وُضعت لحماية الطلاب، انعكست سلباً على هيبة المعلم وأضعفت دوره التربوي. أصبح يخاف من كل حركة قد تُساء تفسيرها، وصار عرضة للمساءلة القانونية وشكاوى أولياء الأمور.

وفي الجانب الآخر، تخلت الكثير من العائلات عن دورها التربوي، وألقت بالمسؤولية كاملة على المدرسة. يأتي الطالب محمّلاً بمشاكل أسرية وسلوكيات صعبة، ولا يجد المعلم إلا أن يتغاضى عنها ويكمل شرحه. النتيجة؟ فصول مضطربة، طلاب غير منضبطين، ومعلم محاصر بين نصوص القانون وضغوط الواقع.

الأمر المؤلم أن صورة المعلم تغيرت في عيون طلابه. لم يعد ذلك المربي الذي يهابه الجميع، بل أصبح شخصاً ضعيف الصلاحيات، يُتوقع منه أن يتحمل الفوضى والصراخ دون أن يملك أدوات المواجهة. ومع الوقت، تفقد العملية التربوية قيمتها الحقيقية ويصبح التعليم مجرد عملية آلية بلا روح.

نحتاج حقاً إلى إعادة النظر في مفهوم التربية داخل المدرسة. لا نريد عودة العقاب الجسدي أو القسوة، بل نريد أدوات تربوية بديلة تمنح المعلم القدرة على ضبط الفصل وحماية رسالته. المعلم ليس مجرد "ناقل معلومات"، بل هو حجر الأساس في بناء شخصية الطالب وصناعة مستقبل الوطن. وتهميش دوره التربوي هو خطأ فادح سندفع ثمنه غالياً في الأجيال القادمة.