ان كل ما جرى كان بفعل الإحجام العام، فالناس الذين عادوا من الميناء، ونبهتتهم الصرخات، بدأوا يتخذون مواقع في الساحة ليشهدوا الجريمة..." !
استوقفنني هذا المشهد من رواية "قصة موت معلن" للروائي العالمي "غابرييل غارسيا ماركيز"، الضحية البريئة في الرواية "سنتياغو نصار" شخصية عربية مهاجرة لأميركا اللاتينية والقتلة "الاخوين فيكاريو" ومهنتهما الجزارة... وكل الرواية (106 صفحات) ترصد اللحظات الاخيرة ما قبل وقوع الجريمة... الكل كان يعرف نوايا الجزارين (بابلو وفيدرو)، والأدهى انهما اعلنا لكل عابر يمر في ساحة البلدة نيتهما بالقتل... لكن "الإحجام العام" جعلهم يترقبون لحظة التنفيذ: صاحب الدكان، رواد الحانه، بائعات الهوى، المطران ومستقبليه، البحارة، الخادمات ... الكل ينتظر ببلاهة ونظرات زائغة وفضول مميت، يطلون من شرفات ونوافذ البيوت المحاذية، وحتى الحداد ترك الجزارين يجلخان سكاكينهم القاتلة تحت انظاره ... وقمة المأساة ان والدة نصار اغلقت بوابة بيتها بالمزلاج من الداخل، ظناً منها ان ابنها ما زال آمناً في غرفته العلوية، بينما كان يدق بكلتا يديه المضرجتين بالدم بوابة بيتهم، علَ احد يفتح له، لكن كل احد، بما فيه أمه كانوا يظنون انه يصرخ باللعنات على قاتليه من شرفة غرفته... !
باختصار، كانت قصة موت معلن.. الكل كان يعرف، والعيون خانت اصحابها والآذان صُمت، والألسن أبتُلعت، والأيادي والأرجل ارتجفت، ثم شُلت.. ثم ساد الصمت الا من شخيب نافورة الدم ودفقاته المجلجلة... !
فقط، وفقط، وفقط ، قارنوا المشهد: غزة تذبح يومياً، من الوريد الى الوريد، والعالم من اقصى شرفة منزل في الشرق الى اقصى شرفة في الغرب، يطل من وراء الستائر وحواف الأسوار بعيون بلهاء وقلوب متحجرة... !
وما زالت سكاكين الاخوين: ترامب ونتنياهو، تُعمل نصالها في جسد الضحية، التي هي غزة، التي هي فلسطين، التي هي نحن...!