facebook
twitter
Youtube
Ammon on Apple Store
Ammon on Play Store
مواعيد الطيران
مواعيد الصلاة
rss
  • اخر التحديثات
  • الأكثر مشاهدة




مدريد: أكثر من بيان شجب


د. ربا زيدان
11-09-2025 01:20 PM

لطالما ارتبطت إسبانيا في خيالي برائحة الأندلس، بأشعار ابن زيدون وولاّدة، بملامح مدنٍ تحمل في حجارتها ذاكرة حضارة موسيقى وشجن وجمال. بلدٌ لا يُفهم إلا في ازدواجيته: إرث دمويٌ توسعي ترك بصماته القاسية في التاريخ من جهة، وأرضٌ تحولت إلى رمز للأدب والفن والخيال من جهة أخرى ...

‎هذه المفارقة جعلتني دائمًا أرى في إسبانيا بلدًا يذكّرنا بأن التاريخ ليس صفحة بيضاء، بل صراع بين النور والظل.

‎لكن إسبانيا الحديثة، التي خرجت من زمن الديكتاتورية، بدت كأنها تعلّمت من أخطاء ماضيها. فنفضت عنها غبار الإمبراطورية وصاغت لنفسها هوية أكثر انفتاحًا وإنسانية. وفي لحظة بدا فيها الاتحاد الأوروبي غارقًا في التردد في وجه عدوان مستمر ووحشي على جزء عزيز من هذا العالم ، اختارت مدريد أن تذهب أبعد: لا بيانات شجب، بل إجراءات وتشريعات حقيقية. رئيس حكومتها، بيدرو سانشيز، أعلن أن بلاده لن تكتفي بالتصريحات: حظر كامل على تصدير السلاح إلى "إسرائيل"، إغلاق الموانئ والأجواء أمام الشحنات العسكرية، منع استيراد منتجات المستوطنات، وحظر دخول شخصيات متورطة في الجرائم. هذه ليست لغة المجاملة الدبلوماسية، بل فعل دولة قررت أن تواجه المذبحة بلا مواربة.

‎حين رأيت ذلك، لم أفكر فقط في السياسة.بل مرّ في ذاكرتي شريطٌ متصلٌ من الذكريات عن الفترة التي قضيتها هناك : أعلام فلسطين معلّقة على النوافذ في مدريد ، صور القدس على جدارٍ في بامبلونا..، نقاش عابر في مقهى عن غزة وعن الارض المحتلة كلها وكأنها شأن محلي. ثم أدركت أن ما يفعله سانشيز ليس منفصلًا عن حرارة شعب اعتاد أن يملأ الشوارع بالهتاف، سواء في مباريات الكلاسيكو التي تثير أعتى روح قتاليه إسبانية أو في المسيرات العديدة والمتكررة المناصرة للعدل. إنها الروح نفسها حين تُوجَّه نحو قضية إنسانية، تصبح فجاًة أكثر صدقًا وعمقًا.

‎إسبانيا التي أعرفها اليوم ليست بريئة من تاريخها، لكنها كما أراها بلد حيّ لا يخاف أن يسمّي أخطاءه، ولا أن يحوّل جرح الماضي إلى وعي جديد. وهذا ما يجعل مواقفها الحالية تبدو أكثر جرأة ووضوحًا بين عواصم أوروبا: لأنها لا تكتفي بالكلام، بل تضع القيم موضع التنفيذ، حتى لو دفعت ثمنًا سياسيًا باهظًا.

‎حين أرى مدريد اليوم تتخذ قراراتها بوضوح، يخطر لي أن هذا الصوت السياسي هو امتدادٌ لمدن ما زالت تعيش في ذاكرتنا: غرناطة التي يظل قصر الحمراء فيها قصيدة تُدمينا ، وإشبيلية التي تعزف على أوتار الفلامنكو الذي يفيض شجناً يشبهنا ،وقرطبة التي رفعت قباب العلم والفكر، وطليطلة التي جمعت بين الأديان والفنون. إسبانيا التي تعرف قيمة الجمال، بدت اليوم وكأنها تعيد اكتشاف قيم العدالة أيضًا.





  • لا يوجد تعليقات

تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة عمون الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة عمون الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم : *
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق : *
بقي لك 500 حرف
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :